حسان الزين


لإرسال رسالة الى المحرر، انقر هنا

لمصلحة اللبنانيين ولبنان انفراط عقد تحالفي 14 و8 آذار. لكن لمصلحة نسيب لحود، رئيس «حركة التجدد الديموقراطي»، انفراط عقد تحالف 14 آذار، أو في الأقل، انسحابه هو وحركته منه. ليس لنسيب لحود، الآن، من يُكاتبه. نسيب لحود، السياسي الذي بدأ حياته العامّة بإبعاد شركاته الخاصة عن العمل في لبنان، كي لا تستفيد ويستفيد هو تجارياً من منصبه السياسي، كثيراً ما كان ذا نكهة خاصة، حتى عندما قُدِّم باعتباره «المرشح الصدامي» إلى رئاسة الجمهورية (2008) باسم تحالف قوى 14 آذار.
لقد «غيّب» انخراطه في الجماعة، 14 آذار وقبلها قرنة شهوان، صوته الخاص وقلّص هامشَه الذي كان قد بدأ التأسيس له خلال تجاربه البرلمانية قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري. بل إن ذلك الضجيج الجماعي أجهض حركته، حركة التجدد الديموقراطي التي أخفقت في أن تتحول إلى تيار يستقطب الديموقراطيين، وبقيت ما يشبه حلقة استشاريين من لون واحد ولا تُعرف نسبة الديموقراطية في آلياتها وأوضاعها الداخلية.
الآن، وعلى إيقاع انسحاب وليد جنبلاط من تحالف 14 آذار وما يحدثه من تصدّع في ذاك التحالف، يحاول نسيب لحود إعادة رسم خريطة طريق لتموضعه الجديد. ولعله بات لا يخفى على أحد اقترابه من رئاسة الجمهورية التي حلم بالوصول إليها. يفعل ذلك منفرداً وبشكل غير كامل أو علني. كأنه يسعى، أولاً، إلى بلورته وجسّ نبض رئيس الجمهورية، قبل الشروع بإعلانه، أو إعلان تميّزه عن حلفائه السابقين، الذين يختلف عنهم في الأداء السياسي. فهو خافت ويميل إلى السياسة الهادئة، لكنه ارتبط بهم وأخذت «المعركة» صوته إلى صناديق لا تقترع له.
أولويات نسيب لحود في إعادة تموضعه، إذا ما صحّ ذلك، ليست هي ما يحرّك وليد جنبلاط، الذي افتتح هذا الشوط ورسم الكثير من خطوط المرحلة المقبلة. نسيب لحود ليس زعيماً طائفياً. يعرف ذلك ويعرف أنه قربان ذاك المعبد، لكنه يسعى ليبقى في المشهد. ويعرف أنه شخصية سياسية احتمالات أن تجد صدى لها خارج الطوائف توازي، إن لم نقل تفوق، أي صدى يمكن أن تسمح له «طائفته» وحكامها به، وأي قانون انتخابي ينتجه الطاقم السياسي عموماً. لكن ذلك يفترض أكثر من خروج نسيب لحود من 14 آذار واقترابه من رئاسة الجمهورية؛ وأكثر من حركة التجدد الديموقراطي بشكلها الحالي؛ والأكيد أنه يفترض أكثر من عودته إلى ما قبل قرنة شهوان وإن كان في ذلك مفتاح التجدّد، الذي هو نسيب لحود نفسه.
ربما هذا الكلام متأخر، وقد نسف نسيب لحود نفسه الكثير من الجسور ومحا أجزاءً كبيرة من صورته الإصلاحية المنفردة، لكن افتراض استمرار صلاحية نسيب لحود يتطلّب نضجاً منه، رغم أنه بات يوحي بالانكسار والهزيمة أكثر مما يدل على التجدد، كما كان في السابق.
ليست المناسبة للموعظة أو حتى لتبييض الصفحات، إلّا أنّ لنسيب لحود دوراً في السياسة اللبنانية، ولا سيما وسط المشهد الطوائفي الآخذ بالتشنج والانقسام وتطاحن الكتل الضخمة.
صحيح أن صورة نسيب لحود تخلخلت جرّاء الانقسام وأثناءه، لكن يُحسب له أنه «نظيف» وانحاز إلى استقلال لبنان وحريته وسيادته. وعلى الرغم من المآخذ عليه بأنه قَبِلَ التعيينَ في البرلمان (1991) وخاض الانتخابات بينما كان المزاج الأقوى في «مناطقه» هو عدم المشاركة، فإن من أخذوا عليه ذلك عادوا وتحالف بعضهم معه وكلهم ائتلفوا وتآلفوا مع رمز تلك الحقبة (ميشال المر). وأوراق القوى السياسية كلها تغيّرت. كذلك، فإن المآخذ التي تُسجّل في تاريخه السياسي (دخوله السياسة في زمن الوصاية السورية وبرعاية إقليميّة) لم تعد معايير بعدما ذهب ميشال عون إلى سوريا وإيران وحالف حزب الله. والأمثلة على الآخرين دون استثناء عديدة.
نسيب لحود، في البداية والنهاية، سياسي ويجب أن يُساءَل، لكن المسألة ليست كما تُصوّر. فهو تارة يُرسم باعتباره سوريّاً (من 1989 حتى 2005)، وتارة أخرى يُدلّل على أنه أميركي أو سعودي (من 2005 حتى الساعة)، من دون أن أحمّل ذمّتي ادعاءَ براءته من العلاقات الخارجية، لكن أن تؤخذ الأمور «أيديولوجياً» وكل مرة تُدار أذن الجرّة إلى الجهة التي يشاء الصانع، فهنا الانتكاسة والكذب بعينه. وقد وقع نسيب لحود فريسة هذه الزاوية من النظر وراح يتحرك تحت تأثير عقدة الذنب والرغبة في التطهّر من الحقبة السورية وإثبات البراءة (فجأةً صار صقراً). المسألة ببساطة سياسيّة غايتها حرقه وإبعاده من طريق «الزعماء» ومن الطاقم السياسي. وهو لم يقصّر في أذية نفسه وتعميق الشرخ بينه وبين المواطنين. آثر السياسة التقليدية وأطرها وألعابها على المساحات التجديدية والمدنية التي دعي إليها وتمنّاه كثيرون فيها.
هل انتهى نسيب لحود؟ الجواب، على قدر السؤال، مؤلم. وسواء أجبنا أو لا، وسواء جدّد نفسه أو لا، مرة أخرى نسيب لحود يخسر والإصلاحيّون يدفعون الثمن. فلا مكان لنسيب لحود، وأي خشبة يتمسّك بها مواطنون توّاقون إلى التغيير والديموقراطية ودولة المؤسسات والمواطنة، لا مكان إذا ما كان وكانوا بلا مشاريع تجديد. والكلام ليس عن مكان لشخص في بوسطة أو حتى في قصر.