استمر مسلسل العنف في منطقة جبل محسن، وقد استقبل أهالي الجبل نهارهم أمس، بقنبلة صباحية، ما أدى إلى جرح طفل في الثالثة عشرة، واستدعى من مسؤول العلاقات السياسية في الحزب الديموقراطي العربي عقد مؤتمر صحافي للتعليق على الحادثة
طرابلس ـ عبد الكافي الصمد
دوّى انفجار في جبل محسن أمس. الأمر ليس جديداً، بعد أكثر من شهر على وقوع حوادث أمنية متفرقة، عاشتها مناطق التوتر الرئيسية في طرابلس، في باب التبانة وجبل محسن والقبة والمنكوبين، من رمي قنابل يدوية وإطلاق نار وقذائف إنيرغا وقذائف صاروخية. كانت معظم تلك الهزات تحدث ليلاً، ولم تكن تؤدي إلى سقوط ضحايا، لكن حدث تطور أمس. انفجرت قنبلة وسط منطقة جبل محسن، في التاسعة صباحاً، وأدت إلى سقوط ثلاثة جرحى، حالة أحدهم خطيرة. دوّى الانفجار في شارع الوادي وسط منطقة جبل محسن، في موقع محاذٍ لجدار محل ميكانيك لإصلاح السيارات لا يفصله سوى الشارع الرئيسي في المنطقة، عن مدرسة قبة النصر المارونية ومنزل رئيس الحزب العربي الديموقراطي النائب السابق علي عيد، ومكتب نجله رفعت، مسؤول العلاقات السياسية في الحزب.
أكد مقرّبون من عيد أن بعض المستشفيات رفضت استقبال الجرحى في بداية الأمر
ضرب عناصر الجيش اللبناني طوقاً مشدّداً حول المكان فوراً، ومُنع اقتراب أي شخص منه، بمن فيهم الصحافيون الذين استطاع بعضهم الوصول إلى المكان فور وقوعه مع وصول عناصر الجيش، بانتظار وصول خبير عسكري استُدعي من بيروت للكشف على موقع الانفجار، فيما سادت طرابلس أجواء من القلق من استمرار تدهور الأوضاع الأمنية فيها بهذا الشكل التصاعدي. سقط ثلاثة جرحى: هم سالم حمّودة، الذي نقل إلى مستشفى السيدة في زغرتا، ومحمود الحسن صاحب محل الميكانيك الذي نُقل إلى مركز الشمال الاستشفائي في زغرتا، والطفل زين العابدين علي (13 سنة) الذي نقل إلى المستشفى الإسلامي الخيري في طرابلس وهو في حالة صحية سيئة نظراً إلى خطورة إصابته، بينما اقتصرت إصابات حمودة والحسن على جروح بسيطة في أنحاء الجسم. دفع الطفل ثمن الخلافات، إذ إنّه مع كون الجرحى قد نُقلوا سريعاً إلى المستشفيات المذكورة، وردت معلومات إلى «الأخبار» تفيد أن بعض المستشفيات رفض استقبالهم، إلّا بعد وضعهم مبلغاً مالياً مسبّقاً على الصندوق، ما دفع عيد (وفقاً لمصادر مقرّبة منه) إلى إجراء اتصالات عاجلة مع مسؤولي المستشفيات المعنية ومع وزارة الصحة للسماح لهم بالدخول ومعالجتهم. وفي موازاة ذلك، أثار الانفجار فضول العديد من المواطنين الذين يقطنون في محيط المكان، إلّا أن الجيش منعهم من الاقتراب حفاظاً على موقع الانفجار من العبث بانتظار وصول الخبير العسكري، لكن آثار الانفجار في المكان كانت واضحة. أحدث حفرةً صغيرة في الباحة الصغيرة المحاذية للمحل بالقرب من قاعدة عمود كهربائي، فضلاً عن آثار دخان أسود على الحائط المجاور للمحل، ووجود علبة بلاستيكية متشقّقة تبيّن أن القنبلة كانت موجودة فيها.
وسرت شائعات بين المواطنين في الدقائق الأولى التي تلت الانفجار، عن أن الأخير ناجم عن انفجار برميل من مادة التنر، التي يستخدمها من يعملون في مجال حدادة السيارات وإصلاحها، قرب المحل، أو عبوة أوكسجين، لكنّ مسؤولاً أمنياً أكد لـ«الأخبار» أن الانفجار ناجم عن «قنبلة يدوية كانت موضوعة في علبة بلاستيكية معبّأة بمادة البنزين»، علماً أنه ليس الحدث الأول من نوعه الذي يحصل في المنطقة، بل سبقه وقوع انفجارات مماثلة في محيط تعاونية ريفا التي تقع على تقاطع جبل محسن والقبة ومخيم البداوي، وفي ساحة الأميركان الواقعة بين منطقتي القبة وجبل محسن، لكن من دون أن تؤدي هذه الانفجارات إلى وقوع إصابات بين المواطنين. وكشف بعض أهالي هذه المناطق لـ«الأخبار» أن هذه القنابل اليدوية «توضع في غالونات صغيرة ملأى بالبنزين، بعد أن يُنزع منها صاعق التفجير، ومن ثم تُلف بمادة بلاستيكيّة لاصقة، الأمر الذي يسهم في تآكل المادة اللاصقة ببطء قبل وصول البنزين إلى القنبلة، ما يؤدي إلى انفجارها بعد وقت لا يقل عن ساعة حسب سُمك طبقة مادة البلاستيك اللاصق الملتفّ حول القنبلة، وهو أمر يساعد من يقوم بأعمال كهذه على وضعها في أي مكان يريده، وتركها تنفجر بهدوء بعد أن يكون قد ابتعد عن المكان». وتعليقاً على الانفجار، عقد مسؤول العلاقات السياسية في الحزب العربي الديموقراطي رفعت عيد مؤتمراً صحافياً في مكتبه في جبل محسن، استهله بالقول: «لا نعرف ماذا يجري في طرابلس وجبل محسن، فمنذ 3 أسابيع تتعرض مناطقنا بوتيرة شبه يومية لاعتداءات بقذائف الإنيرغا وغيرها، من غير أن نعرف السبب ولا من يطلقها، والآن بدأوا بوضع العبوات الناسفة». وأكد عيد ضرورة «معاقبة من وضع هذه القنابل»، لافتاً إلى أن «بعضهم معروف بالأسماء، وكذلك من يزوّده بها، وإلى أين يذهب، ولكن لا أحد يقدر على توقيفه»، متهماً «أجهزة أمنية بالتورط في هذه الأعمال، لأن هناك من يسعى إلى توريط المنطقة وجرها إلى فتنة مع محيطها»، مؤكداً أن أهالي باب التبانة لا علاقة لهم بالموضوع.


الصفدي يسبق الجميع في إدانة الانفجار

رفض الوزير محمد الصفدي، في تصريح له تعليقاً على حادثة الانفجار، العودة إلى أجواء التوتر ومسلسل التفجيرات وترهيب المواطنين في الشمال، مهما تكن «ظروف انفجار العبوة الناسفة في منطقة جبل محسن في طرابلس»، مضيفاً إن «أيّ محاولة لتوتير الوضع الأمني لا تصب في مصلحة أهالي طرابلس، بل في مصلحة المتضررين من السلم الأهلي، الذين يجب منعهم من تحقيق أهدافهم، وهذا يعني تجنب المواقف التصعيدية، وإيلاء الثقة للأجهزة الأمنية والقضائية لتقوم بواجباتها». وبدا تصريح الوزير الصفدي لافتاً، إذ لم تصدر أي تعليقات أخرى، من فريق الأكثرية النيابية، لتشجب الانفجار أو تعلّق عليه، وذلك حتى ساعة متأخرة من مساء أمس، الأمر نفسه انسحب على فريق الأقلية النيابية، التي لم يصدر عنها أي بيان إدانة للانفجار.


ما العمل؟

تطرق مسؤول العلاقات السياسية في الحزب العربي الديموقراطي، رفعت عيد، إلى نتائج الانتخابات النيابية وتأليف الحكومة المقبلة، فسأل: «هل بعدما صادروا حق الطائفة العلوية في الانتخابات غصباً عنها، وتمثيل من حصل على 5 أو 6 في المئة من أصوات ناخبيها في الوصول إلى المجلس النيابي، يصل الأمر إلى حد الاعتداء علينا داخل بيوتنا؟»، كما ناشد رئيس الجمهورية، العماد ميشال سليمان وقائد الجيش، العماد جان قهوجي «التدخل بعد تدهور الأمور بهذا الشكل وسقوط جرحى»، سائلاً: «هل الغاية من وراء هذه التفجيرات دفعنا باتجاه إقامة أمن ذاتي في مناطقنا؟ نحن قادرون على ذلك، لكن إذا فعلنا ذلك يقولون أقمنا مربعاً أمنياً، وإذا سكتنا يدخلون إلى بيوتنا لتفجيرها، فما العمل؟».