دمشق ــ محمد دحنونابتاعوا «نص ربع». كانت الكميّة غير كافية نظراً للعدد الكبير، نسبيّاً، الذي أبدى رغبته في المشاركة. لذا، ولضمان مفعول أسرع وأقوى، وخصوصاً لدى «طبقة» المبتدئين، كان لا بدّ من إعداد إبريقي شاي خمير وقطر! أولاً لأنهما يلبّيان حاجة تسريع المفعول؛ وثانياً، لأنّ إمكانيّة إعداد إبريق بعد آخر، أي بعد أن يتمّ تفجير صاروخين، متعذرة لناحية إيجاد أي من الأشياء التالية: السكر، الشاي، الإبريق، الغاز، الماء، القداحة. وإذا توافرت إمكانيّة إيجاد كل هذه الأشياء، تبقى الخشية من نسيان الإبريق على الغاز، الأمر الذي قد يتكفل تالياً بحريق (بينزع القعدة!). وما لم ينطلق صاروخ بعد، فإنّ إمكانية العمل بالمثل القائل «الحيط الحيط وقول يارب السترة»، تبقى ساريّة.
«رنّة العسكري» تشيع في الجو نوعاً من الرهبة والانتظار الممتع، الكل متحفز، ويراقب «الدكّاك»، ويحرص على تنبيهه عن قطعة أو حبّة أو ذرة سها عنها هنا أو هناك في زاويا الصحن الذي يحتضن «المادّة». يواجه الدكّاك هذا الحرص باحترام، ودون أي تذمّر، فهو، في النهايّة، أوّل «المفجّرين»، أيّ أوّل من يمج من «ثمار» عمله اليدوي هذا. كما أنّ ضياع ذرة أو قطعة، ليس بالأمر المستحسن، على الرغم من اقتراح أحدهم، فيما لو وقعت الواقعة، وضع إعلان في باب المفقودات وفق الصيغة التاليّة: «بتاريخ... فقدت قطعة نخب أوّل، يرجى ممن يجدها إيصالها إلى العنوان التالي... وله مكافأة مجزية عبارة عن مجتّين
قويتين»!
بعد صواريخ عدّة، تنجح في إحصاء الأوّل والثاني منها بسهولة، كما تنجح في اكتشاف أثر البقية في روحك بسلاسة، وبعد أن يفقد إبريق الشاي ضخامته، أي محتواه، وبعد انقطاع (مرغوب) للتواصل بين المحتفين، يغدو «بوب مارلي» سيّد المكان بلا منازع. لكنّ المكان يتوزع إلى أمكنة عدّة، يساوي عددها عدد المشاركين: الجسد هو المكان. الذاكرة، العقل والقلب، الرؤى والمشاعر، الأفكار العظيمة وتلك السخيفة و... بوب مارلي. كلّها تتّحد لتصنع من تلك اللحظة كينونة أبديّة لوجودك الآني، لوجودك الملتبس، الذي لن تتأكد حقيقته إلاّ في أوضاع استثنائيّة، هي في النهاية ليست سوى أوضاع خيالية، ترتجل فيها ما يأتي:
* ثقة تمنحها للجمادات المحيطة بك: الكرسي والطاولة والكأس... ولتلك النملة (المحشّشة!) التي إمّا أضاعت طريقها إلى البيت أو أنّها متفاعلة فوق العادة مع مارلي.
* ابتسامة بلهاء تعلو الوجه، ربما كانت تعبيراً عن عتب على إله نسيك.
* عشق بينلوب كروز وتأكيد، تجهل مصدره، بأنّها تبادلك الشعور ذاته.
* حركة ثقيلة للأطراف الأربعة ولكلّ النوايا السيئة تعيد دمجك في عالم البطء الذي دهسه «عصر السرعة» وملحقاته.
* أمان نموذجي دليلك إليه أن تسمع أغنية «دنيا وزمان» لسعاد ماسي دون أن ينكمش القلب أو تباغتك الذاكرة بنظرة لئيمة.
* خيال، بحجم محيط، مع حركة رياح بطيئة تحرّض موجاً مسالماً، يردد على مسامعك ما يعتبره الحقيقة: كينونة أصيلة ما كانت يوماً إلا خيالاً، أو حين كان عمرك تسعة أشهر إلا... صرخة!