اختلف المواطنون في قرية كفرزبد، يوم الجمعة الفائت، في توقعهم مصدر أصوات الانفجارات التي سمعوها. رجّحوا أن تكون ــ على قوّتها ــ زلزالاً، أو اعتداءً إسرائيلياً، لكنهم اكتشفوا أن إحدى الكسّارات فعلت فعلتها
شرق زحله ــ نقولا أبورجيلي
اهتزت بلدة كفرزبد، عصر الجمعة الفائت. بدا الأمر كأن زلزالاً قاسياً ضرب البلدة، ومحيطها. تحركت جدران المنازل. ظن الأهالي أن بلدتهم تتراقص. لم يتوقف الأمر على الزلزال الافتراضي. تلا ذلك صدور أصوات مدوّية، أرعبت أطفال المنطقة، لكنها لم تكن ارتدادات هزة أرضية، أو غارة جوية إسرائيلية استهدفت تلّة عين البيضة، حيث الموقع العسكري للجبهة الشعبية ـــــ القيادة العامة (كما ظن عدد كبير من أهالي كفر زبد ممن التقتهم «الأخبار» بعد الحادثة). كان «الزلزال» والأصوات التي تبعته، مجرد نتيجة طبيعية، لتفجير ألغام في الكسّارة التي تقع للجهة الغربية من هذه التلة.
استغرب أحد المواطنين تمادي أصحاب الكسارات في تجاهل القوانين متحدثاً عن غطاء سياسي لهم
«لسنا مع قطع أرزاق الناس، لكن حين تصل الأمور إلى حدّ إثارة الهلع ودبّ الرعب في نفوس أطفالنا بين فترة وأخرى، وإلحاق الضرر بمنازلنا، فهذا شيء لم يعد مقبولاً»، قالت السيدة كارين أبو فيصل، التي تقيم مع عائلتها، في منزل يبعد نحو 800 متر عن موقع الكسّارة. في المنزل طفلتان أيضاً. روت أبو فيصل لـ«الأخبار» ما حصل عصر ذلك اليوم. بدأت تداعيات الحدث بارتفاع صراخ طفلتيها. هرعتا إليها فور سماعهما دويّ 3 انفجارات قوية متتالية، رافقتها ارتدادات هزت جدران منزلها. «ظننت في بادئ الأمر أن هزة أرضية ضربت المنطقة، أو أن غارة إسرائيلية استهدفت تلة عين البيضة المقابلة لمنزلنا حيث هناك موقع عسكري للمنظمات الفلسطينية»، وهذا ما دفعها للخروج إلى الشرفة لاستطلاع الأمر، لتشاهد سُحباً من الغبار والدخان الأصفر تتصاعد من فوق هذه التلة، وتنتشر في سماء المنطقة المحيطة بموقع الكسّارة الواقعة ضمن أراضي سهل بلدة بر الياس. لم تنتهِ الأمور هنا، تتابع السيدة التي بدا الذعر على وجهها، وهي تسترجع تفاصيل الحادثة. أشارت بإصبعها إلى تفسخات واضحة، أحدثتها قوة الارتدادات في جدران منزلها الذي يقع ضمن مبنى مؤلف من ثلاث طبقات. تعرضت الطبقات بدورها لأضرار مماثلة، لكنّ زوجها لم يقبل الأمر. أبلغ الأجهزة الأمنية اعتراضه، الذي يمثّل اعتراض عدد كبير من المواطنين في المنطقة، على استباحة أمنهم، وترويعهم بهذا الشكل. تجاوبت القوى الأمنية فور علمها، وكلفت دورية من مخفر درك شتورا، التوجه إلى موقع الكسّارة، للكشف على المكان واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة. وفي هذا الإطار، ناشدت إحدى المواطنات في المنطقة، المسؤولين المعنيين، معالجة هذه المشكلة التي تتكرر بين فترة وأخرى. لم تطلب الكثير، قالت إنه «يجب على الأقل اتخاذ تدابير قانونية تلزم أصحاب هذه الكسّارة بالعمل وفق المعايير المسموح بها لتفجير الصخور، ومراعاة حقوق السكان بالعيش بأمان ورفع الضرر عن ممتلكاتهم»، لتختم بالقول «يكفينا ما تعرضنا له طيلة السنوات الماضية، من هزات أمنية أتلفت أعصابنا». تردّد كلام المواطنة على لسان معظم سكان المنطقة. شاركها إيلي صراخها. استغرب «تمادي أصحاب هذه الكسّارة الذين يُمعنون في تجاوز القوانين، غير آبهين بما قد تخلّفه أعمالهم من أضرار نفسية ومادية»، علماً أن هذه الأضرار تشمل سكان المنازل المحيطة بالموقع، في دائرة يصل قطرها إلى 3 كيلومترات حداً أدنى، مؤكّداً أن ذلك يحصل «على مرأى ومسمع المسؤولين في الدولة والمعنيين في بلدية بر الياس، لكون الكسّارة تقع ضمن نطاق أراضيها».
لكن، في سياق متصل، استنكر رئيس بلدية بر الياس مواس عراجي، ما حصل عصر يوم الجمعة، واعداً «بمراجعة أصحاب الكسّارة وحثّهم على عدم تكرار ما جرى، وإلزامهم القيام بأعمال التفجير وفق الشروط المسموح بها قانوناً، وهي وضع كميات قليلة من المواد التي تستخدم لتفجير الصخور، تجنّباً لإلحاق الضرر بسكان المنازل المحيطة». أما بالنسبة إلى الإجراءات الممكن اتخاذها في حالات كهذه، فأكد عراجي في اتصال هاتفي مع «الأخبار»، أنه سيتخذ التدابير اللازمة من أجل منع تكرار ذلك مستقبلياً، لافتاً «إلى أن أعمال هذه الكسارة تجري بموجب ترخيص قانوني، ينحصر في تأمين الحصى والحجارة «الدفينو» لتنفيذ مشروع الأوتوستراد العربي، الذي يربط طريق ضهر البيدر بنقطة المصنع الحدودية». وعلمت «الأخبار» من مسؤول أمني مطّلع على سير الأمور في زحلة، أن أفراد الدورية التي توجّهت إلى موقع الكسّارة بعد حصول الانفجار، التقطوا صوراً فوتوغرافية للموقع. وأضاف المسؤول إن الصور الملتقطة، أظهرت وجود كميات كبيرة من الصخور التي اقتلعتها ألغام مجهولة النوع، بأحجام متفاوتة، كما ترجّح التحقيقات الأمنية أن تكون الألغام قد زرعت في أمكنة متعددة من الموقع، «رفعنا تقريراً بالوقائع التي أثبتتها التحقيقات، وستُتخذ التدابير القانونية المناسبة بحق المخالفين»، ختم المسؤول الأمني كلامه.


سماد كيماوي وديناميت

يستخدم أصحاب الكسارات والمقالع أنواعاً عديدة من المواد المتفجرة، لتفتيت الصخور واقتلاعها من باطن الجبال، من بينها أصابع ديناميت بأحجام مختلفة، يحصل عليها هؤلاء من مصادر مجهولة. إضافة إلى ذلك، لا يزال معظم أصحاب الكسارات، يحفر دهاليز في أعماق الصخور، ويحشوها بكميات كبيرة من نيترات كيماوية عيار 32 (مصنوعة لأغراض زراعية أساساً) يجري دكّها وتفجيرها بواسطة صاعق يربط بحبل فتيل بطيء الاشتعال مخصص لهذه الغاية، يحدد طوله بحسب المسافة التي يمكن من خلالها تجنّب إصابة العمال بأية أضرار جسدية قد تلحق بهم نتيجة تطاير الصخور، رغم أن السطات اللبنانية أصدرت قبل سنوات، تعميماً منعت بموجبه استيراد هذا النوع من النيترات، إلا أن بعض التجار واصلوا إدخاله عن طريق التهريب.


5283 هكتاراً «مشوهاً»

بلغ عدد المقالع والكسارت في لبنان نحو 464، إضافةً إلى 246 مرملة مرخصة، وذلك في عام 1995. وأورد تقرير البيئة الوطني سنة 2006، الصادر عن إدارة الإحصاء المركزي أن 710 كسارات تعمل في لبنان (نصفها في جبل لبنان)، وأن معظمها يعمل من دون إذن، محتلةً 3000 هكتار، كما توفّر سنوياً 3 ملايين متر مكعب من البحص. وأشار التقرير، إلى أن الكسارات لا تحترم القانون لجهة إعادة تأهيل الموقع بعد العمل فيه، فمن بين 750 كسارة ومقلعاً في لبنان، 3 فقط أعادت تأهيل مواقعها. وبيّنت دراسة أعدها مركز «الاستشعار عن بعد» (التابع للمجلس الوطني للبحوث العلمية)، استُخدمت فيها الصور الفضائية، أن عدد تلك المنشآت ارتفع من 711 قبل عام 1989 إلى 1278 عام 2005، مع تضاعف مساحتها من 2897 هكتاراً، إلى 5283 هكتاراً.