نهلة الشهال


لإرسال رسالة الى المحرر، انقر هنا

تتوافر كل عناصر المشهد المألوف: قصف أرضي وجوي بالقنابل الحارقة لـ«مناطق» المتمردين، ومئات ألوف النازحين، ومعسكرات للاجئين، وقتلى وجرحى بالمئات، واعتقالات في كل أنحاء اليمن، ومحاكمات وشيكة، وأحكام متوقعة بالإعدام. يسمونها الحرب السادسة، فيجرد الرقم الواقع، لأنه يوحي بالتكرار. تقلق المنظمات الإنسانية، يقلق أكثر الصليب الأحمر الدولي. بينما يسود العالم والمحيط صمت سياسي ثقيل. يكلف علي عبد الله صالح «اللجنة الأمنية العليا لوقف الحرب وإحلال السلام في صعدة» (والرئيس يرأسها... بالطبع، لكنها هي من يتكلم، بكل موضوعية ومؤسساتية)، إعلان الشروط الستة لوقف النار. أطرفها الشرط السادس: «عدم التدخل بأي شكل من الأشكال في شؤون السلطة المحلية»، والمقصود سلطة محافظة صعدة، فما بالك بـ«التدخل» في شؤون صنعاء! ثم لاحظ تلك «بأي شكل»، والمقصود إغلاق حيّز السياسة أمام المتمردين، وتحويل حركتهم، وكل تفاوض، إلى مسألة أمنية. «شرعية» الشروط تنبع من أنها تنطق عن السلطة. والسلطة هنا تواجه «مخربين»، أو «إرهابيين» يعتدون على المواطنين، ويخطفون بين الحين والآخر ما تيسّر لهم من أجانب يمرون من هناك. تلك هي الرواية الرسمية. ثم ترد فجأة جملة خائنة: «القبائل الموالية للدولة»! فيفتضح أنه صراع على السلطة، وأن القبائل المتمردة تطالب بحصتها فيها، وربما رأت أنّ دورها قد حان لحيازتها، أو أنها الأحقّ بها أصلاً.
يردّ المتمردون معتدّين باتفاق الدوحة المعقود بينهم وبين الحكومة منذ سنتين، ويتكلمون على عودة إلى المفاوضات على أساس ما يقدمه ذلك الاتفاق من تصور حل شامل، بينما تتكلم السلطة على ضربة قوية، يتوقع أن تستلزم وقتاً طويلاً، لكنها تهدف إلى إلغاء إمكان... الحرب السابعة. من واجبات أي سلطة التخطيط للمستقبل، وهذا ما نقوم به يا سادة! سوى أن «الضربة القوية» المشار إليها تلك تعني ويلات وفظاعات راحت ترتكب. ثم (كإضافة، تجنباً في مثل هذا المقام لكلمة «والأهم» التي ترد أسلوبياً وبلا إمعان تفكير، إلا أن مدلولها بشع)، ثم إذاً، لن تحل الضربة القوية المشكل. قد يتمكن الطيران المستخدم بكثافة، والأسلحة الصاروخية والمدفعية، من إرهاب جماعة الحوثي، ومن وضعهم أمام معادلة استفظاع الثمن الذي يلحق بأهاليهم وبمناطق نفوذهم، وهي بالمناسبة عدة محافظات شمالية، ويصل مداها إلى محاذاة الحدود السعودية، ولا يمكن استبعاد قدرتهم على التحرك الموجع في العاصمة صنعاء نفسها. قد يخمدون، ولا سيما أن السلطة «مصممة»، ربما لأنها تدرك أنه يتوقف على نتائج هذه الدورة من المجابهة تعريف توازن القوى القائم، وهو يفصح أصلاً عن اختلال لغير مصلحة المجموعة الممسكة بزمام السلطة. لكن هل يُستأصل المشكل، أم أنه سيعود إلى التعبير عن نفسه بأشكال شتى، والانفجار حين يتاح له، تماماً كما هي حال المحافظات الجنوبية التي قطعت، ذهنياً ونفسياً على الأقل، شوطاً كبيراً في ترسيخ انفصالها عن سلطة صنعاء، وعملها على العودة إلى إطار اليمن الجنوبي، وإن على شكل سلطنات وإمارات، قد تبدأ متحالفة بوجه «العدو»، ثم تغرق هي الأخرى في احتراب لا ينتهي؟
تصمّ السلطة في صنعاء آذانها عن الوساطات والحلول التي تقترحها هيئات يمنية، كأحزاب «اللقاء المشترك»، تقف على أرض المعارضة الشاملة، لكنها تسعى إلى تجنيب اليمن منزلق الحروب الأهلية التي يعرف الجميع كيف يلجونها ـــــ وما أسهله ـــــ لكن لا يمتلك أيّ منهم أدوات الخروج منها، وهي في غاية الصعوبة. تصمّ آذانها عن التفكك المتعاظم، لأنها، ككل السلطات، تظن أنه يمكن فرض استتباب الأمر لها، بحكم تفوقها العسكري، واستعدادها غير المحدود للقمع، وسيطرتها على الموارد. وتصمّ السلطة في صنعاء آذانها أكثر من سواها، لأنه، رغم مرور أكثر من أسبوع على بدء الهجوم العسكري على صعدة، فإن الدول المحيطة باليمن، وبالأخص منها السعودية، الجار الأكبر والأكثر تداخلاً به على مختلف الصعد والمستويات، تعتمد سياسة «دعه يعمل»، بل تسند ذلك الهجوم، آملة بنجاحه، مما يخلصها من أرق لا تحتمله... رغم أن تفكك الوضع في اليمن ـــــ وهو ما سيؤول إليه الموقف ـــــ سيكون أفدح عليها.
هل ما زال في الوقت متسع، هل ما زال ينفع الكلام، ولا سيما أنّ في اليمن من يتكلم ويقترح، وهو يمثّل في حساب القوى شيئاً، أم ستمضي ـــــ كالعادة ـــــ تجربة «الضربة القوية» إلى نهاياتها، وهي في الحقيقة لا نهاية لها؟!