عصام العريان *ـــــ ثانياً، أن اتهامات خطيرة وجهها أحد أهم القيادات التاريخية (فاروق القدومي) لرئيس الحركة وبعض قيادات السلطة، وصلت إلى حد التواطؤ مع العدو لاغتيال القائد المؤسس للحركة والثورة والسلطة ياسر عرفات.
ـــــ ثالثاً، أنه اختير مكان انعقاد المؤتمر في الداخل الفلسطيني بضغط من أبو مازن، ما حرم كثيرين من الحق في الحضور، وهم الذين يعترض عليهم العدو الصهيوني لمواقفهم الحاسمة ضد اتفاقية أوسلو وما ترتّب عليها، أو لتأييدهم نهج المقاومة.
ـــــ رابعاً، أن عضوية المؤتمر قد تغيّرت وتحورت نتيجة مواءمات عديدة، ولتحقيق نتائج محددة سلفاً عند انتخاب القيادات، ما غيّر التوازنات وأثّر في نتائج الانتخابات.
ـــــ خامساً، أن المؤتمر انعقد في ظل انقسام فلسطيني حاد بين «فتح» و«حماس»، انعكس جغرافياً بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وقد خيّم عليه غياب أعضاء الحركة من غزة بسبب منع «حماس» لهم في إطار ضغطها المستمر لإطلاق سراح أكثر من ألف من أعضائها المعتقلين في سجون محمود عباس والسلطة في الضفة الغربية. ولم يبذل أبو مازن جهداً حقيقياً لحضور هؤلاء الذين صبّوا جام غضبهم على قيادة «فتح» لا على «حماس». وكيف يستجيب لهذا الشرط البسيط، وهو الذي امتنع حتى الآن عن إطلاق سراح هؤلاء المقاومين الأبطال في الضفة من أجل تحقيق تقدم في الحوار الذي ترعاه مصر من أجل «المصالحة الفلسطينية»، وإنهاء حالة الانقسام المزرية. ولعل الإغراءات الأميركية والتهديدات الصهيونية هي المانع الحقيقي.
ـــــ سادساً، أن الطائرات الصهيونية ظلت تحلّق في سماء بيت لحم، فوق المؤتمر، لتذكّر الحاضرين جميعاً بوطأة الاحتلال وثقل الوجود الصهيوني الذي يخيّم فوق أجواء المؤتمر وما حوله للمرة الأولى، ويحدد سقف الحوار بشأن برنامج «فتح» الذى يرغب البعض في تغييره.
ـــــ سابعاً، أن المؤتمر يأتي بعد خسارة «فتح» الكبرى في الانتخابات البرلمانية النزيهة والحرة لمصلحة «حماس»، ما يقتضي محاسبة قيادة الحركة والسلطة، في ظل أزمة مالية كبرى تعاني منها «فتح»، ووسط اتهامات خطيرة بالفساد الذي استشرى في هيئات الحركة العليا، واتهامات بشراء الذمم لمصلحة مجموعة معينة سيطرت خلال العشرين عاماً الماضية على مفاصل «فتح» ثم السلطة.
وأخيراًَ، أرغم الأميركيون والصهاينة هؤلاء على قبول رجال من خارج «فتح»، مثل سلام فياض ورجاله ليمسكوا بزمام الأمور المالية في نهاية عهد عرفات، وتوغّلوا الآن ليمسكوا بالسلطة كلها تقريباً، ويعزلوا قيادات «فتح» في الجانب الأمني فقط، حيث يقومون بالمهمات القذرة، كمطاردة المقاومين من كتائب شهداء الأقصى ومن «حماس» والجهاد الإسلامي وبقية الفصائل، لتكريس الانقسام، وحتى تزداد الاتهامات المتبادلة.
البداية الجديدة التي توقعها المتفائلون ـــــ وكانوا قلائل ـــــ تكمن في الأمل بأن يؤدي المؤتمر إلى ضخّ دماء جديدة في الهيئات القيادية، واستمرار برنامج «فتح» التاريخي الذي أطلق الكفاح المسلح، ورفض الضغوط الأميركية ـــــ الصهيونية.
المتشائمون ـــــ وهم كثر ـــــ من المراقبين لم يتوقعوا تغييرات كبيرة، ورأوا في المؤتمر تكريساً لقيادة محمود عباس ومجموعته، وإقراراً للنهج الذي رسمته القيادة التاريخية، وهو نهج أوسلو والمفاوضات، وبالتالي إضفاء شرعية تنظيمية على كل الإجراءات التي حصلت في غياب «المؤتمر العام»، وعزل الرافضين لأوسلو، بل عزل «فتح» الخارج التي كانت تمثل جسداً تنظيمياً كبيراً، لمصلحة سلطة أمنية تحمي الاحتلال في الضفة الغربية، وتحارب المقاومة في غزة، وتحتمي بالمظلة الدولية والأميركية والصهيونية، وتتماهى مع النظم العربية المستبدة والفاسدة.
مشكلة حركة «فتح» هي مشكلة السلطة الفلسطينية نفسها التي وصلت إلى طريق مسدود، ويراد منها أن تتنازل عن ثوابت الشعب الفلسطيني من أجل استمرار الوضع البائس، لا من أجل تحقيق آمال، ولو محدودة، للفلسطينيين. فلا دولة حقيقية، بل كانتونات تفصل بينها حواجز أمنية صهيونية. ولا سيادة على الأرض والجو والمياه، بل استمرار للسيادة الصهيونية. ولا وحدة أراضي الدولة الفلسطينية، بل انقسام داخل الضفة الغربية نفسها، لا فقط بين الضفة وغزة. ولا اقتصاد حقيقي قابل للنمو والاستمرار، بل اعتماد دائم على المعونات والمنح وتقوية الاقتصاد الصهيوني بمدّه بأيد عاملة رخيصة.
باختصار شديد، إذا أرادت «فتح» أن تبدأ بداية جديدة، فعليها أن تجيب على سؤال محوري هو: هل يجب علينا الاستمرار في نهج أوسلو الذي ثبت فشله؟ أم علينا البحث عن بداية جديدة للمقاومة ضد الاحتلال؟ هل نستمر في تغطية سلطة أمنية تحولت إلى سوط في يد المحتل، أم نفكر جدّياً في البحث عن مخرج ولو بإلغاء هذه السلطة الوهمية؟ لا الإجابة عن السؤال الآخر المخادع: كيف ولماذا خسرت «فتح» والسلطة معاً قطاع غزة؟ فالحقيقة أن المشكلة الأعمق هي أن «فتح» شردت كثيراً عن منهاجها الأصلي وطريقها الصحيح، وبذلك فقدت ثقة الشعب الفلسطيني وتكاد تفقد الوطن كله. وإذا استمرت كذلك، فإنها ستخسر الملايين من الفلسطينيين خارج فلسطين في الشتات، وداخل فلسطين في أرض 1948، بل في الضفة الغربية نفسها، ولو بعد حين.
* قيادي في جماعة الإخوان المسلمين في مصر