نصّ القانون اللبناني على إمكان منح السجين حكماً بإدغام العقوبات، وفقاً لشروط معينة. بعض السجناء يجهلون هذا التشريع، فيخسرون إمكان الاستفادة منه. في المقابل، يتعلم سجناء آخرون «فنون» القفز فوق القانون
محمد نزال
أن يصبح المرء سجيناً، لا يعني أنه صار مجرداً من الحقوق. لكنّ عدداً كبيراً من المساجين لا يعلمون ما لهم، فيما يدرك غالبيتهم «ما عليهم» نتيجةً لقسوة السجن والسجّان، وغياب برامج التوعية في السجون، إضافة إلى عدم حرص الأجهزة الأمنية والقضائية على إخبار القابع خلف القضبان بحقوقه، فيما يُمكن ملاحظة التشدد بإعلام السجين بالواجبات المترتبة عليه... وإلا فالويل له.
إدغام العقوبات، حكم يمكن السجين أن يكتسبه وفقاً للقانون، لكن في حال عدم تقدمه بالطلب، يسجن مدّة 5 سنوات على سبيل المثال، فيما كان بالإمكان أن يُسجن لـ 3 سنوات فقط.
تنصّ المادة 205 من قانون العقوبات اللبناني على أنه «إذا ثبتت عدّة جنايات أو جُنح، قُضي بعقوبة لكل جريمة، ونُفذت العقوبة الأشد دون سواها». هكذا، عند صدور ثلاثة أحكام بحق أحد ما، الأول بالسجن 5 سنوات، والثاني بالسجن 3 سنوات، والثالث بالسجن سنة واحدة، يُنفذ الحكم الأول فقط، وهو الأشد، أي السَّجن 5 سنوات، إذ لا تُجمع سنوات الأحكام كلها.
عُرّف الإدغام في القانون بأنه قاعدة عامة، أي يمكن الجمع بين العقوبات المحكوم بها، لكن هذا لا يلزم المحكمة بتطبيق العقوبة الأشد دون سواها، بل لها حق التقدير في إدغام العقوبات أو جمعها، إذ تنصّ الفقرة الثانية من المادة المذكورة على أنه «يمكن الجمع بين العقوبات المحكوم بها، بحيث لا يزيد مجموع العقوبات المؤقتة على أقصى العقوبة المعيّنة للجريمة الأشد، إلا بمقدار نصفها». وبالتالي، يكون الجمع ممكناً، ويتوخى المحكوم عليه الفائدة منه، رغم عدم تطبيق العقوبة الأشد دون سواها.
السجين السابق خليل ن. لم يكن على علم بهذه التشريعات. وكاد أن يقضي في السجن مدّة 4 سنوات، لولا تدخّل بعض أقاربه للقيام بإجراءات الإدغام القانونية، فسُجن سنتين بدلاً من أربع. يقول خليل: «صدر حكم بحقي عن محكمة جنايات بعبدا قبل 9 سنوات، فبقيت متوارياً عن الأنظار طوال هذه المدة لاقتناعي بأن الحكم ظالم. تعطّلت حياتي كلها، ولم استطع أن أزاول أي عمل. أُوقفت بعد ذلك بتهمة أخرى وصدر في حقي حكم آخر عن محكمة جنايات بيروت». لم يكن باستطاعة خليل أن يوكل إلى محامٍ ليترافع عنه، لعدم قدرته على تسديد الأتعاب، فهو يتيم الأم والأب. كان من الممكن أن ينفذ خليل عقوبة الحكمين، لولا عطف أحد أقاربه عليه فأرشده الأخير إلى ضرورة التقدم بطلب للإدغام.
عُرّف الإدغام في القانون بأنه قاعدة عامة، لكن هذا لا يلزم المحكمة بتطبيق العقوبة الأشد دون سواها
من جهتها، أكّدت المحامية موهانة إسحق، الناشطة في جمعية «عدل ورحمة»، أن الجمعية «تعمل على توعية السجناء على حقوقهم، وهم بدورهم يعلّم بعضهم بعضاً، إضافة إلى أننا نقدم استشارات خاصة لهم، كذلك نقيم ندوات عامة ومحاضرات في هذا الشأن». وتشرح المحامية إسحق آلية تنفيذ الإدغام، فعلى السجين أن يطلب من إدارة السجن تزويده استمارة خاصة، يملأها بالمعلومات اللازمة، ويطلب فيها من المحكمة إدغام الأحكام الصادرة في حقه، مع ذكر تفاصيلها وتواريخها. يُرفق الطلب بصورة طبق الأصل عن الأحكام الصادرة، إضافة إلى إفادة من المحكمة بأن هذه الأحكام أصبحت مبرمة، أي إنها لم تُميَّز ولم تُستأنف. يُقدم الطلب إلى المحكمة التي أصدرت آخر حكم في حق السجين، وبعد أسبوع أو 10 أيام يأتي الجواب، فيُوافَق عليه في 90 المئة من الحالات، بحسب ما تؤكد المحامية المتابعة لهذه القضايا، التي تعمل مع جمعيتها على مساعدة السجناء في هذا الإطار، في حال عدم وجود محام أو وكيل عنهم.
تختلف وجهات النظر في فلسفة السجن أو الغاية منه، فيرى فيه البعض مكاناً للعقوبة فقط، فيما يرى آخرون أنه إضافة إلى الطابع الجزائي للسجن، فهو مكان للإصلاح، لأن السجين سيعود يوماً ما إلى مجتمعه، وبالتالي فإن غياب الإصلاح يعني أن السجين سيخرج منه أكثر «تفلتاً وخطراً على من حوله». في هذا الإطار، تبرز تجربة فؤاد الذي قضى في سجن رومية 3 سنوات. تعلّم خلال هذه المدة «فنون المراوغة واللعب على القوانين»، فأحاط علماً بوجود تشريع يمكن أن يمنحه إدغاماً لعدد من العقوبات التي «سينالها»، إذا تمكّنت القوى الأمنية من توقيفه. حصل فؤاد على حكم من المحكمة بالموافقة على إخلاء سبيله مقابل كفالة مالية، على أن يعود لاحقاً ويمثل أمامها لإصدار الحكم النهائي. أخبره زميل زنزانته «الخبير» قبل إطلاق سراحه أنه يمكنه أن «يمارس السرقة» كما اعتاد سابقاً، وأنه إذا قُبض عليه فلا ضير من ذلك، لأنه بكل الأحوال سيعود إلى المحكمة لبتّ قضيته الأولى، وبالتالي «عليك أن تطلب عندها إدغام لجميع الأحكام التي ستصدر في حقك، بعدما أصبح لديك رصيد في أحكام السجن»، هذا ما أشار عليه زميله «الخبير» في تعليم فنون اللعب على القانون، بعد قضاء 20 سنة في السجن بات «مرجعاً».
اللافت في القانون، أنه يجيز التقدم بطلب إدغام ملحق للعقوبات التي لم يشملها حكم الإدغام، فيُصدَر حكم متمِّم للحكم الأول، ويُعَدّ جزءاً منه. بيد أنه يُشترط لقبول إدغام العقوبات الملحقة، أن تكون الأفعال المعاقب عليها قد ارتُكبت قبل تاريخ صدور الحكم الأخير، أي إنه لا يمكن إدغام أية عقوبة إلحاقاً إذا كانت أفعالها لاحقة لتاريخ صدور الحكم الأخير. تبرز هنا ثغرة قانونية تتمثل في إمكان تسلل البعض منها، لارتكاب أفعال جرمية مختلفة ثم طلب الإدغام، وذلك في الفترة الممتدة بين إخلاء السبيل وصدور الحكم النهائي بحقه.
في هذا السياق، أشار مسؤول قانوني إلى أنه عندما يفصل القاضي في طلب الإدغام، يأخذ في الاعتبار ظروف المحكوم عليه، لجهة ما إذا صدرت في حقه أحكام كثيرة لكونه ارتكب الجرم نفسه عدة مرات، أو أنه ليس من أصحاب السوابق، فيقرر الموافقة على الإدغام أو على جمع العقوبات، وفقاً لكل حالة.
يُشار إلى أن بعض العقوبات لا تُدغم، وهي المخالفات التي تُصدر المحكمة حكماً فيها يتعلق بعقوبة الغرامة، إذ لا يمكن إدغامها وحدها ولا مع أحكام جنح أو جنايات. وأيضاً لا يمكن إدغام أحكام الحبس الإكراهي أو الحبس لقاء حكم النفقة، لأنهما يتعلقان بالحق الشخصي، لا بالحق العام.


أحكام وتعريفات

تُجمع العقوبات التكديرية والإضافية والفرعية والتدابير الاحترازية، حتى وإن أُدغمت العقوبات الأصلية بحقّ سجين، لكن يعود للقاضي أن يحكم بخلاف ذلك إذا ارتأى أسباباً لذلك، بحسب نص المادتين 207 و 208 من قانون العقوبات. العقوبة التكديرية: هي توقيف يتراوح بين يوم وعشرة أيام في أماكن غير السجن، مثل النظارات والإصلاحيات. العقوبة الفرعية: هي التجريد من الحقوق المدنية، الإقامة الجبرية، الإبعاد. التدابير الاحترازية: هي حجز في مأوى احترازي، العزل، الحرية المراقبة. العقوبات الإضافية: هي الإخراج من البلاد، منع ارتياد أماكن معينة، المنع من حمل السلاح، إقفال محل ومصادرة. تجدر الإشارة إلى أنه يجوز استئناف حكم الإدغام الصادر عن القاضي الجزائي المنفرد، ضمن مهلة 15 يوماً من تاريخ صدوره، لكن يشترط لقبوله إلزاماً أن يكون هناك خطأ قضائي في احتساب العقوبات. وفي مطلق الأحوال، يبقى للمحكمة الحرية في فسخ أو تصديق أو تعديل حكم الإدغام المستأنف لديها، إذا ارتأت ذلك، بما لها من سلطة تقدير واسعة، دون أن تكون مقيّدة بأية شروط إلزامية.