خالد صاغيةثمّة وجهة نظر معقولة في عدم توزير الراسبين في الانتخابات. وهي وجهة نظر كان النائب ميشال عون نفسه قد تبنّاها سابقاً، وكان سعد الحريري نفسه قد رفضها، سابقاً أيضاً. ليست المشكلة هنا. المشكلة هي أنّ الاعتراض يأتي فقط على الراسبين، فيما لا يعترض أحد على توزير الناجحين في الانتخابات. وكأنّ هؤلاء الأخيرين سيشرّفون الحكومة بأدائهم وتفانيهم من أجل المصلحة العامة. إذا تخيّلنا، لا سمح اللّه، حكومة من الناجحين في الانتخابات، فما الذي سنجده؟ فلنركّز على وزارة واحدة، الداخليّة مثلاً.
ينصبّ الهجوم على جبران باسيل الراسب من التيار الوطني الحر، لكن لا أحد يتحدّث عن خطورة توزير نعمة الله أبي نصر الناجح. سلِّموه وزارة الداخلية، ما دام الجنرال ميشال عون مصرّاً على المطالبة بها، وخذوا على نتائج. بإذنه تعالى، سنُجَرّ جميعاً بأمر جمهوريّ إلى المختبرات للخضوع إلى فحص دم (وجمجمة ربّما) للتأكّد من حقيقة انتمائنا اللبناني. كما قد تُنظَّم مسابقات أسبوعيّة لغير المسيحيّين تُنزَع الجنسيّة اللبنانية من الراسبين فيها، حفاظاً على التوازن الديموغرافي.
أو فلنُعِد الداخلية إلى ميشال المرّ. نعيدها إليه، أي إلى بيته حيث كانت سابقاً. ولنتحوّل جميعاً إلى متسوّلين في إمارة بتغرين من أجل الحصول على أيّ توقيع أو أيّ معاملة. ما ضير ذلك؟ لا شيء، ما دام أبو الياس قد فاز في الانتخابات.
أو فَلْيَنل الداخليّة أحد الفائزين من تيار المستقبل. أحمد مرجعيون فتفت، رمز السيادة والاستقلال على الحدود الجنوبيّة. أو فليتبرّع بها المستقبل إلى حليفه، قائد معركة زحلة، نقولا فتّوش، ولتزهر الكسّارات في ربوع الأرز...
لقد جرت الانتخابات الأخيرة في جوّ من الاستقطاب الطائفي الحاد. وانتُخب الكثيرون ممّن يلبّون متطلّبات الجمهور في جوّ كهذا، أي المرشّحون الأكثر التصاقاً بالطوائف، والأكثر بعداً عن الدولة. لذا، ولمرّة واحدة واستثنائية على الأقلّ، فليجرِ الفصل بين النوّاب المنتخبين والوزراء الذين يجب أن يتمتّعوا بكفاءات إداريّة لا علاقة لها بـ«الشنفرة» الطائفيّة. وزراء سياسيّون، وليسوا من التكنوقراط، إنما من ذاك النوع الذي لم يسعفه ما بقي له من كرامة وحسّ مواطنة أن يركب موجة السعار السائدة.