وائل عبد الفتاح


لإرسال رسالة الى المحرر، انقر هنا

لم يكن مجرد خطأ مهني عابر. صحيفة مصرية يومية اختلط عليها حوار الرئيس مبارك في واشنطن مع تشارلز روز على قناة «سي بي أس» الأميركية عام ٢٠٠٥، ونشرت فقرات منه على أنه الحوار الذي أُجري معه منذ أيام. الحوار القديم لا يزال صالحاً، لا لأن الأقوال خالدة أو ضد الزمن، لكن لأن الموقف لم يتغير... والبداية المتوقعة جديدة، لكنها لسيناريو قديم كما «نيويورك تايمز»، في إشارة إلى أنّ العرب لا يزالون يتجادلون على من يتقدم أولاً.
التطبيع أم وقف الاستيطان؟ سؤال على شاكلة: البيضة أم الدجاجة، العربة أم الحصان؟ الأرض أم السلام؟ متاهات وليست أسئلة لأن المحرك هو رغبة إخماد الحرائق لا أكثر، أو استمرار الحديث عن التسوية وتوزيع دفاتر الأمل حولها لا التسوية نفسها.
أخطأت الصحيفة مهنياً، لكنها كانت مخلصة للزمن العربي الذي لم يتغير المتحدثون باسمه ولا الدوائر التي يعود إليها كلما غادرها. لن يشعر القراء ولا الجمهور بتغيير بين ٢٠٠٥ و٢٠٠٩ لأن التغيير الوحيد حدث لدى الطرف الثاني. لم يعد بوش موجوداً، وبالتأكيد أوباما ليس له كلام أو موقف رئاسي في ذلك الوقت.
رحلة مبارك هي من أجل استعادة الدور المفقود... لكن لماذا؟ وفي أي سبيل؟
ميشيل دون، الخبيرة في شؤون حركات الإصلاح العربية في «معهد كارنيغي للسلام الدولي» استخدمت وصف «رجلنا في القاهرة». معنى الوصف لا يهم مقارنة بسؤال آخر: ماذا فعل وسيفعل رجلـ(هم) في القاهرة؟ وماذا يريد من زيارته إلى واشنطن؟ وماذا يريد العرب منها؟ بل، ماذا يريد العرب من حركتهم بين نقاط متباينة في السياسة؟ هل يتحرك العرب من أجل أشياء غير معلنة أو وظائف سرية؟ أم من أجل تحقيق حزمة مصالح؟
الحركة في الزمن العربي تساوي صفراً عادة، وهذا ما يجعل حسابات السنين لا تعني شيئاً سوى استمرار الوجوه نفسها... واستمرار التدهور العام.
ضاعت الأوراق من العرب بالتدريج، ومع كل دورة في المتاهة. لم يعد من الممكن الرهان على زعامة كبيرة يمكنها زحزحة الوضع العربي، ولا الاستفادة من خطايا قادة إسرائيل ولا من المقاومة ولا من التسوية.
لا يستفيد العرب من الخصوم سوى اشتعال حروب المزايدات التي يتساوى فيها الجميع... كلهم عملاء وأزرار التشغيل خارج العالم العربي.
لا مشروع تحرير ولا ورقة واحدة في المفاوضات. إنها قدرة على إطلاق الشتائم وتصوّر بأن «الحل عندنا» يقول المعتدلون والحكماء. التسوية... التسوية، ويرد المتشددون بالورع نفسه: «إنها الحرب»... لا تسوية تتم ولا حرب تستمر.
لا يعرف العرب ماذا يريدون من إسرائيل: هل الأرض مقابل السلام، أم إلقاء إسرائيل في البحر؟
تحديد الأهداف يعني في المقام الأول رسم خريطة سياسية ودبلوماسية، ويعني أيضاً عدم بذل جهد مفرط أو يزيد عن الهدف، وهذا لم يحدث ولا يبدو أنه على أجندة قريبة في زمن عربي غارق في المطلقات والانتقال من النقيض إلى النقيض بالحماسة نفسها، وبقدرة على حذف كل عقل من الخطابات المتصارعة حول مصير القضية.
لم يبقَ سوى الحكماء والمتطرفين. تغيب تماماً المنطقة الفعالة بعيداً عن حواف التطرف. تغيب أسيرة لتلك النزعة إلى العدم. الأجندة العربية متخمة وقائد العروبة الحكيمة لم يعلن هدفاً سوى المراوحة التقليدية التي أعلن شبيهتها تقريباً وفي مواجهة نتنياهو في دورة حكمه الأولي.
في الوقت نفسه، يسعى المدير المصري للتفاوض الفلسطيني ـــــ الفلسطيني إلى العودة... مجرد العودة إلى الطاولة ومناقشة القضايا نفسها بالعدّة نفسها بعد أشواط التسخين في بناء حرس جديد/ قديم للمنظمة الأكبر، بينما «حماس» خاضت معركة جانبية وطهرت غزة من تنظيم «جند أنصار الله»، منافستها في التحدث باسم «الإمارة الإسلامية»، والتنظيم الذي خرج من بين جيوبها ليعتبر كل المختلفين معه على باطل، حتى «حماس» التي احتكرت الحق واعتبرت كل المختلفين معها في الباطل.
إلامَ سيصل احتكاك الأطراف المتناقضة؟ هل ستتولد شرارة كهربائية؟ أم إن الطرفين ينتميان إلى الطرف السالب فتبدو الشرارة خاملة وتعود من حيث بدأت؟
الجزّار توتو يعرف الحقيقة أكثر من أي شخص آخر؛ فهو، إلى جانب عمله في المسلخ، يرتب مع فرقته أعياد أفراح مصرية بالموسيقى الشعبية والمزمار، وقد استعارته السفارة المصرية في واشنطن لقيادة تظاهرات استقبال الرئيس. نفّذ المهمة وأعلن أيضاً أنه ترك عمله وجاء من أجل مصر، ومن أجلها خفض تكاليفه التي يحصل عليها في حفلات الزفاف من ٨٠٠ دولار إلى ٤٠٠ فقط.
توتو حصل على ما يريد مالياً ومعنوياً. هل لدى مبارك ما يكسبه في زيارة أوباما غير تأكيد البقاء، واستعادة موقع الحليف الأول الذي اهتز بعد ١١ أيلول واحتلال العراق؟ لديه طبعاً.