لأن العالم مريض بالعنف، ولأن العنف ليس من طبيعة الإنسان، ما يمنح الأمل بترويضه، افتُتحت في لبنان أول أكاديمية من نوعها في العالم العربي: جامعة اللاعنف العربية، التي تستقبل طلاباً من جميع أنحاء العالم، يؤرّقهم همّ نشر الثقافة اللاعنفيّة في بلادهم، لتكوّن سنداً أكاديمياً لهم
فتقا ــ جوانّا عازار
«تخيّل ألّا يكون هناك ما يستحقّ القتل أو الموت من أجله، ألّا توجد أديان. تخيّل الناس جميعاً يعيشون بسلام». إنّها مقتطفات معرّبة من أغنية «Imagine» الكلاسيكية للبريطاني جون لينون، التي وزّعت على الحاضرين والمشاركين في حفل إطلاق الدروس في جامعة اللاعنف العربيّة AUNV في دار سيّدة الجبل في فتقا.
«هي أكثر من جامعة أو من مجرد فكرة وحلم كما اعتبرها كثيرون. هي تجمّع أشخاص يؤمنون بقضيّة هي من أسمى القضايا في التاريخ. قضيّة نضال لإحداث التغيير في المجتمع على خطى غاندي الذي قال: عليكم أن تكونوا التغيير الذي تريدون أن تروه في العالم». بهذه الكلمات أطلق المنسّق التنفيذي في الجامعة فريد شرابيّه جامعة اللاعنف العربيّة. والجامعة هي أوّل أكاديميّة من نوعها في المنطقة العربيّة، ومعهد جامعيّ متخصّص يحوي مكتبة جامعة للنتاج اللاعنفيّ الضخم العربيّ والعالميّ، ويمثّل ملتقى ثقافيّاً لحوارات عالميّة تؤثّر في من هم في موقع القرار السياسيّ والإعلامي والتربوي خصوصاً. ولأنّ «الشرق غافٍ للأسف»، حسب المشارك في إنشاء الجامعة، الكاتب جان أبي غانم، فقد التقت لإطلاقها «مجموعة قليلة من رافضي العنف» كما قال، فيما أضاف عضو مجلس الأمناء والأستاذ المحاضر في الجامعة، جان ـــــ ماري موللر أنّ «لبنان مريض بالعنف، كذلك العالم بأسره»، مضيفاً إنّ «العنف لم يستطع يوماً ولا في أيّ مكان أن يكون الحلّ». ولأنّ «العنف مرسّخ في أنظمتنا ولأنّ الطائفيّة مشبّعة في تاريخنا وبنية مجتمعنا»، اختار الكاتبان اللذان يتابعان معاً منذ 25 عاماً دوراً رياديّاً لنشر ثقافة اللاعنف والعدالة وليد صليبي وأوغاريت يونان، تأسيس الجامعة.
«هي جامعة فعل اجتماعيّ غير منفصلة عن البحث العلميّ»، يقول وليد صليبي، مضيفا إنّه «ليس من المؤكّد أنّ العنف هو في طبيعة الإنسان، وتالياً، هناك أمل في التغيير».
سلام خالد، أحد المشاركين من العراق، من جانب «جماعة لاعنف العراقيّة»، يصف وجوده فيها بـ«الفرصة الثمينة، لأنها تعرّفه إلى تجارب البلدان العربيّة وتعطيه آفاقاً جديدة للعمل اللاعنفيّ في العراق حيث التظاهرات مثلاً لم تعد تنفع»، ويشير إلى أنّ المشاركين «هم الفلاحون الذين سيروون بذرة اللاعنف لتكبر». بدوره، لفت شوان حمدامين، وهو أيضاً من العراق، إلى أنّ الجامعة تساعد المشاركين على «تأطير أفكارهم وتجاربهم أكاديميّاً وتكسبهم وسائل جديدة لتطبيق اللاعنف والعمل مع المجتمع المدنيّ على تنفيذ النشاطات اللاعنفيّة، وبالتالي هي مجال لتبادل التجارب». فيما تحدّث مراد السبطامي من فلسطين عن خصوصيّة بلاده التي تتطلّب وسائل خاصّة للتعامل مع منظومة القمع. أمّا هلا أبو علي من لبنان، فهي متطوّعة في الهيئة اللبنانيّة للحقوق المدنيّة وتعمل على اللاعنف الطائفي منذ سنة 2004 في ضيعة الفريدس الشوفيّة، وهي تسعى من خلال مشاركتها في الجامعة إلى تعميق ثقافتها في الموضوع، وقد لمست من خلال عملها على الأرض التأثير الإيجابيّ الذي أحدثه تعاطيها مع أهالي قرية الفريدس. بدورها، آمال طنب، التي غنّت وأختها رونزا للسلام خلال الافتتاح بمرافقة شقيقها سمير على البيانو قالت في كلمة لها إنّها «نذرت نفسها للسلام والنضال ورفضت طيلة سنوات الحرب غناء الأناشيد الحزبيّة والقتاليّة»، وإنها ترى اليوم حلمها يتحقّق في إنشاء جامعة تربّي على اللاعنف.


منهج تشاركي وثمانية اختصاصات

يضمّ برنامج الجامعة ثمانية اختصاصات هي فلسفة اللاعنف، التربية المدنيّة اللاعنفيّة، الإدارة اللاعنفيّة للنزاعات، المسرح اللاعنفيّ، طرائق التدريب والتربية الناشطة، استراتيجيّات العمل المدنيّ، ثقافة حقوق الإنسان واللاطائفيّة وعدم التمييز العنصريّ. أمّا منهج التعلّم، فهو تشاركيّ، واللغة الرسميّة للجامعة هي العربيّة، رغم أنه يجري التعليم بأكثر من لغة. وتمنح الجامعة ثلاثة أنواع من الشهادات، شهادة جدارة في برنامج كامل عن اللاعنف (ثقافة اللاعنف والمهارات المدنيّة الناشطة)، شهادة جدارة في اختصاص محدّد، وشهادة مشاركة مع مركز تدريب عالميّ. هذا ويجري تخريج من 60 إلى 70 طالباً في السنة الأولى هم من لبنان، سوريا، العراق، مصر، فلسطين والأردن.