كمّامات كثيرة وخوف وطمأنينة. فسيفساء ترسم صورة الوضع في مختبر «مستشفى رفيق الحريري الحكومي» الذي يزوره يومياً، ما بين 40 و50 مريضاً محتملاً بأنفلونزا الخنازير. المرضى ليسوا مذعورين، لكنّ القلق حاضر
محمد محسن
«وحيث تأكّد أن الأنفلونزا الجديدة لا تزيد حدّة أو خطورةً بشيء عن الأنفلونزا الموسميّة، وبعدما تبيّن عدم جدوى إخضاع جميع من تظهر عليهم عوارض المرض لأخذ عيّنات التشخيص مخبرياً، وخاصةً أن الكثير ممن يلتقطون العدوى لا يشكون من شيء.. فقد قرر مختبر مستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي ألا يقبل فحص الحالات إلا تلك المحوّلة إليه من طبيب». من شأن هذا التصريح المعلّق داخل المختبر أن يطمئن الآتي للتحليل، قبل دخوله إلى غرفة سحب عيّنات الدم داخل قسم الطوارئ، إلا أنه لا يفعل. هنا، يقفز الخوف من وجوه الكثيرين من المنتظرين لدورهم، ولو أن ابتسامات الممرضين تحاول تهدئة روع الزوّار.. من تحت كمّاماتٍ متعددة الأشكال والألوان. فممّا لا شك فيه أن الجسم الطبي هو الأكثر تعرضاً للعدوى، ومصادر من داخل المستشفى أكدت إصابة نحو 8 عاملين فيه، وإن كانت الشائعات تتحدث عن 45 ممرضاً وممرضة.
ابتسامات الممرضين تحاول تهدئة روع الزوّار من تحت كمّاماتهم
لا تعطي الأخبار المتسرّبة إلى خارج المستشفى صورةً واضحة عمّا يجري في الداخل. هناك تضارب في «المعلومات» مع أن التأكد من صحة الأخبار بشأن انتقال العدوى من داخل المستشفى إلى خارجه، سهل وبسيط، لا يكلّفك أكثر من كمّامة (أو اثنتين كما فعلنا) مربوطة بإحكام لمنع تسرّب الفيروس إلى الأنف أو الفم، وزيارة إلى «موقع الحدث».
تدخل باب الطوارئ. لن تحتاج إلى السؤال عن مكان «فحص الأنفلونزا». زحمة الكمامات في مكانٍ واحد، وتحديداً حول غرفةٍ صغيرة لسحب عيّنات الدم، تؤكّد أنك وصلت إلى «الهدف». والهدف، هو غرفة صغيرة يشغلها ممرض وصف نفسه بين المزاح والجد بالـ«فدائي».
لا يكاد نصف ساعة يمر، حتى يصل فوج جديد إلى قاعة الانتظار. عائلات وأفراد، وحتى أصدقاء، أتوا بعضهم مع بعض لإجراء الفحص، وفي أياديهم وصفات أطباءٍ عاينوهم، وقرروا بعد فحص العوارض (السعال ـــــ الإسهال ـــــ ارتفاع الحرارة) إرسالهم لإجراء فحص أنفلونزا الخنازير.
هبة (تتحفّظ الأخبار عن ذكر الأسماء) شبه متأكدة من إصابتها بالمرض. رجّح طبيبها لها إصابتها بنسبة لا تقل عن 85 في المئة. رغم تأكّدها، ليست خائفة ولا وجلة، فالدواء موجود ومناعتها جيدة كما تقول. أمّا جلال، الآتي من أفريقيا، فليس منزعجاً من احتمال إصابته بالمرض، بقدر انزعاجه من عزله عن أسرته. «معقول إلي سنتين مسافر، وهلّق رجعت وما قادر بوس ابني أو مرتي؟» يقول، مشيراً إلى أنه معتاد في أفريقيا «شويّة أنفلونزا من هون وشويّة ملاريا من هون»! يشدّك صراخ سيدة واقفة على باب غرفة المختبر الصغيرة وتسأل «لماذا وصفة الطبيب؟ هل يعقل أني جئت من آخر الدنيا لتمنعوني من الفحص إلا بوصفة طبيب؟». تفهم أنها تحتجّ بعدما أخفقت في خرق القاعدة المتّبعة لإجراء الفحوص، التي توجب إحضار وصفة الطبيب لإجراء الفحص المخبري.
أما غازي الآتي مع عائلته من واشنطن، فلا يشعر بالخوف، لكن ما يقلقه هو سعال أطفاله منذ أسبوع، ولهذا السبب سيجري لهم الفحص المجاني ليطمئن قلبه عليهم. هو كغيره ممن تحدثوا إلى «الأخبار»، لا يخاف على نفسه، بل كل خوفه من نقل الفيروس إلى المحيطين به. لكن لإحدى العاملات في المستشفى رأي آخر تعبّر عنه بوضعية مطمئنة وبعض السخرية. فالمرض بالنسبة إليها لا يعدو كونه «كريب متل اللي بيصيبنا كل سنة، خمسة أيام وبيشفى المريض».
طمأنينة هذه العاملة، تدعمها رئيسة دائرة مكافحة العدوى في مستشفى رفيق الحريري الجامعي، غادة شعيب، التي تؤكد أن فيروس أنفلونزا الخنازير بصيغته الحالية لا يمثّل خطراً إلا في حالتين: الأولى هي إصابات كبار السن والأطفال دون السنتين، أمّا الثانية فهي الأشخاص المصابون بأمراضٍ مزمنة وأصحاب المناعة الضعيفة، ممن يستطيع حتى الزكام العادي أذيّتهم. تالياً، تشير شعيب إلى أن كثيرين من المصابين بهذا المرض تعافوا تماماً، حتى من دون إعطائهم المضاد الحيوي «تاميفلو» (المعتمد حالياً لمعالجة أنواع الأنفلونزا). أمّا العلاج فهو يعطى لكل من ثبتت إصابته بالمرض، حيث يحضر إلى المستشفى بعد تبلّغه بأن نتائج فحوصه «إيجابية»، أي إنه مصاب.