المريض يتعلّق بحبال الهواء. ولكن، بعد الإعلان عن «فلوميفير» منذ أيام، أصبح هناك دواءان لأنفلونزا الخنازير: أجنبي، ومحلي، فما الذي سيختاره اللبناني: المحلي الأرخص أم الأجنبي؟
فاتن الحاج
«تاميفلو بليز!». بثقة، يطلب مغترب لبناني من إحدى صيدليات الأشرفية الدواء المعالج لأنفلونزا الخنازير إيه «إتش 1 أن1» بالاسم. يريد الشاب أن يتناول حبة منه قبل ستة أيام من موعد عودته إلى الولايات المتحدة الأميركية، في خطوة وقائية من الوباء. يصمت الصيدلي المناوب قليلاً قبل أن يجيب: «والله مقطوع بس عندي فلوميفير، دواء لبناني إلو نفس المواصفات والفعالية». عبثاً يحاول الصيدلي إقناع زبونه بالدواء الجديد، إلّا أنّ الأخير يواصل هز رأسه بالرفض، لسبب ما، يبدو الصيدلي نفسه غير واثق بما يقول. سرعان ما نتأكد حين يقول لنا: «بدأت ببيع فلوميفير عندما فُقد التاميفلو من الأسواق، لكنني شخصياً لا أشتري الدواء الأول إلّا إذا كان خياري الوحيد، أما الثاني، فأفضّله للصدقية التي تتمتع بها الشركة العالمية المنتجة له». ويستدرك: «على كل حال، لا فرق كبيراً في السعر بين الاثنين، فهنا أبيع تاميفلو بـ 68 ألف ليرة لبنانية، وفلوميفير بـ 50 ألفاً، لذا أفضّل دفع 18 ألف ليرة إضافية، على الشك لحظة في جودة الدواء». ويسأل: «كيف سأتأكد من أنّ المعيار المستخدم مطابق أم لا؟، ماذا عن جو الغرفة حيث يصنّع الدواء، هل هو معقّم أم لا؟، ماذا عن الآلة التي «تنشّف» البودرة التي توضع في كبسولة الجيلاتين؟ هل هي نظيفة أم لا؟».
هي إذاً ليست أزمة ثقة بهذا الدواء بالتحديد، بل بمختبرات شركات الأدوية اللبنانية، وإن كان «بعضها قد بدأ يكتسب صدقية، وخصوصاً بالنسبة إلى أدوية الالتهاب والضغط والسكري» على حد تعبير صيدلي آخر في مار الياس. لكن ذلك لا يعني أنّ «شركاتنا قادرة على إنتاج دواء بدقة التاميفلو وفعّاليته (!)، كما أنّ الدولة لا تملك مختبرات للتدقيق في ما إذا كان هذا الدواء فعّالاً أم لا، كما لا تملك مراقبين. كل ما نفعله هو سرقة الفورمولا وتغيير الاسم»، كما يقول صاحب الصيدلية العجوز، الذي رفض التصريح باسمه. ويردف: «أثق كلبناني بالدواء الهندي أو الصيني والياباني، أكثر من الدواء اللبناني، حيث سوق التصريف واسع». لكن صيدلانية أخرى في المنطقة نفسها، شاركت في حفل إطلاق الدواء، كما قالت لـ«الأخبار» رأت أن «الصناعة منيحة بس الموضوع دقيق، وما فينا نحكم قبل ما نجرّب، والدواء ما صرّلو شهر واحد بالسوق».! هكذا إذاً!! إن كان أصحاب الاختصاص لا يثقون بالمنتج اللبناني، فلا عتب عندئذٍ على المواطن العادي. «الإنسان ما إلو قيمة هون كيف الدواء؟»، يقول مساعد الحلاق راجي كيروز، ويوافقه جيمس جرجي، وهو صاحب أتيلييه للساعات «لا أثق بالدواء اللبناني لسبب أننا لا نتمتع كمستهلكين بالحماية الموجودة في الخارج، وليس هناك مقارنة بين مختبراتنا ومختبراتهم». ويضيف: «دواؤنا لن يكون منافساً لأنّ اللبناني يرفض أن يشتري سلعة وطنية بسعر الخارج، قولي لي ما الفرق بين 50 دولاراً و50 ألفاً؟».
ومع ذلك، يتعلق المريض بأي دواء، سواء أكان لبنانياً أم غير لبناني، يقول الطالب محمد قبيسي. لكنّه يجزم أنّه إذا توافر الدواء الأجنبي، «فسأشتريه ولن أتناول الدواء اللبناني إلّا إذا كان الوحيد الموجود في الصيدليات». يسأل: «من الذي صنع هذا الدواء فجأةً ومختبرات العالم لا تزال تصنع اللقاح العالمي؟، أشك في أنّ في الأمر ضرباً من التجارة». ويطالب قبيسي وزارة الصحة بتأمين الدواء مجاناً، «فأنفلونزا الخنازير وباء لا زكام يعالج بالفيتامين أو الزهورات كما هي حال الأمراض العادية». يضيف: «في فكرة عند الناس وعندي إنو الدوا الأجنبي أحسن، لن أخاطر وأتجاوز هذه الفكرة لأدعم الصناعة الوطنية. بدعمها بشراء بنطلون أو شي مش حساس متل الدوا!».
لكن الممرضة نظيرة عيتاني تقلل من أهمية الدواء نفسه سواء أكان أجنبياً أم لبنانياً في معالجة المرض، وخصوصاً أنّ الوباء قد يطوّر نفسه ويقاوم الدواء. وتقول: «الجسم اللي ما عندو مناعة سيصاب بأمراض أخطر بكثير من أنفلونزا الخنازير الذي ثبت أنّه غير مميت». أما ما فعلته هي شخصياً، لكونها تعيش بين المرضى، فمضاعفة الاهتمام بحماية نفسها عبر اتّباع القواعد الصحية، ولا سيما النظافة وتنظيم الأكل والرياضة. ورغم ذلك تعرب عيتاني عن ثقتها الكاملة بالأدوية في لبنان، شرط أن توصف للحالات المناسبة، و«هو ما لا يحصل دائماً!».