تُعقد في بيروت ندوات طبية متعدّدة للتوعية على فيروس «إيه أش1 أن1»، برعاية شركات أدوية. هذه الندوات التي تركز على أهمية الحدّ من حالة الهلع التي يعيشها اللبنانيون في ظلّ الانتشار المتزايد لهذا الفيروس، تطرح أسئلة اقتصادية يجب متابعتها
مهى زراقط
«إيه أش1 أن1» بات مرضاً محلياً، ينتشر في لبنان من دون عوامل خارجية. الإصابات به ترتفع، والأرقام المعلنة هي أقلّ بكثير مما هو موجود حالياً.
يمكن هذه المعلومات، التي تثبتها إحصاءات وزارة الصحة، أن تكون أخباراً مخيفة لكثير من اللبنانيين. لكن قليلاً من التوعية يجعل منها أخباراً سارة. لماذا؟
لأن فيروس «إيه أش1 أن1» سينتشر عاجلاً أو آجلاً. وبما أن علاجه ممكن، تصبح الإصابة المبكرة به قبل حلول فصل الشتاء أفضل. هذا ما يفسّر قيام بعض الدول الأوروبية، لندن مثلاً، بدعوة أشخاص إلى أماكن فيها مصابون بالفيروس لنقل العدوى إليهم الآن. والسبب أن «الجراثيم تكثر في فصل الشتاء، ما قد يسبب مضاعفات على الفيروس، لذلك يفضّل الحصول على المناعة من المرض الآن»، كما يؤكد طبيب الأمراض الجرثومية الدكتور جاك مخباط لـ«الأخبار».
استهلّ مخباط حديثه بعبارة حازمة: «هيدا كريب (grippe) مدام. كريب عادي... إنه ليس الطاعون، ولا السارس، ولا الإيبولا. إنه أنفلونزا». العبارة نفسها كان افتتح بها مخباط، وهو مدير الجمعية اللبنانية للأمراض الجرثومية، المؤتمر الطبي الذي نظمته الجمعية قبل ثلاثة أيام في فندق المتروبوليتان، للتوعية على فيروس «إيه أش1 أن1» وسبل الوقاية منه وعلاجه، مستنكراً حالة الرعب الموجودة بين اللبنانيين. مصدر القلق الوحيد والمبرّر بالنسبة إليه هو كيفية التعامل مع العدد الكبير من الإصابات التي يحتمل حصولها، إذ «نتوقع انتشاراً واسعاً للفيروس مطلع الشتاء، فهل يفوق عدد الإصابات الطاقة الاستشفائية والدوائية الموجودة لدينا؟». وفقاً للتقديرات «نتوقع إصابة نحو 500 ألف شخص في لبنان، 20% منهم قد يحتاجون إلى دخول مستشفى لأنهم معرّضون لحصول اشتراكات لديهم، والسؤال هو: هل ستكون هناك أمكنة كافية لهم؟ هل تتوافر الماكينات والآلات اللازمة للعلاج والمتابعة؟ هذا هو مبعث قلقنا، لا أي سبب آخر». مخباط لا ينفي احتمال حصول وفيات، «لكن نسبة الوفاة المحتملة هي أقلّ بكثير من نسبتها في أمراض أخرى، ولن تحصل إلا لدى من يحتمل حصول اشتراكات لديهم. كأن يكونوا مصابين بأمراض كالسرطان أو السيدا. هؤلاء يحتاجون إلى متابعة خاصة». هذه الإجابات المطمئنة لا تنفي ضرورة التوعية على المرض «لأن الجهل هو ما يولّد الرعب»، يؤكد مخباط.
من المعلومات المطمئنة التي عرضها سبعة أطباء تناوبوا على الحديث في المؤتمر، أن كلّ من ولد قبل عام 1957 قد يكون حاصلاً على مناعة من هذا الفيروس، لأنه شهد انتشاراً واسعاً له إثر الحرب العالمية الثانية، كما أوضح الدكتور بيار أبي حنا. ومنها أيضاً أن الفيروس لم يتحوّل بعد، ولا يزال محافظاً على خصائصه. أما المعلومات غير المطمئنة، فهي أن اللقاح لن يصل قريباً إلى لبنان. وإذا دققنا قليلاً في المعلومة الأخيرة، فقد لا يكون هذا الخبر سيئاً بالمطلق، ما دام اللقاح في مرحلته الثانية للتأكد من فعاليته.
الحديث عن اللقاح يمكنه أن يفتح الباب أمام نقاش على مستوى آخر بين المختصين يتعلق بالشق التجاري الذي يبدو محطّ اهتمام، ومثاراً للشكوك أيضاً، وخصوصاً في ظلّ الإعلانات المتتابعة عن تصنيع المزيد من الأدوية واللقاحات في العالم، وكان آخرها أول من أمس إعلان شركة سينوفاك الصينية إنتاج لقاح للأنفلونزا «ثبتت فاعليته من الجرعة الأولى» وفق بيان الشركة. هذه الشكوك تصيب بالدرجة الأولى شركة «روش»، منتجة دواء «التاميفلو» الشهير. تقول إحدى الصيدليات: «لم يبع هذا الدواء جيداً خلال أنفلونزا الطيور، لذلك هم يروّجون له اليوم. الوفيات التي يتعرّض لها الناس اليوم هي أقلّ من الوفيات بأي مرض آخر، فلماذا هذه الضجة اليوم؟». نستمع إلى رأي مماثل في المؤتمر، حيث يتساءل أحد الأطباء عن الدوافع التجارية لتضخيم هذا الوباء وحملات القضاء على الخنازير في بعض الدول.
في هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى أن المؤتمرات الطبية التي تعقد حالياً هي برعاية شركات أدوية. فقد عقد مؤتمر في «الموفنبيك» للترويج لدواء «إيمونيتي» الذي ينشّط المناعة ضد الفيروس. أما مؤتمر الجمعية اللبنانية فقد عقد برعاية شركة «بنتا»، منتجة دواء «فلوميفير» المماثل في تركيبته لدواء «تاميفلو»، علماً بأن مخباط حرص على القول إن المؤتمر عقد بدعوة من الجمعية، وإن «بنتا» عرضت رعايته فقط، وهذا ما تؤكده ديالا اسكندر عن «بنتا».
مخباط يرفض الحديث عن الدواء باسمه التجاري، بل يفضل الحديث عن الجزيئية التي صنّع منها الدواء أي الـ«أوسيلتاميفير» (oseltamivir). فيشرح قائلاً إنها «ليست الإنسولين الذي يعالج السكري. برأيي هي مفيدة لثلاثة أمور: تخفض مدة المرض، من دون أن يعني هذا أنها تعالج الاشتراكات التي قد تحصل. كان يمكن أن يوصف للحدّ من انتشار المرض، لكننا تجاوزنا هذه الحالة الآن لأنه انتشر فعلاً». أما السبب الثالث، فيقوله مخباط ضاحكاً: «نربّح مصاري لشركة «روش». أما الآن فهو ينصح بوصف الدواء، الأجنبي أو اللبناني، في الحالات المرضية الخطيرة».
من جهته أوضح رئيس مجلس إدارة شركة «بنتا» برنارد تنوري لـ«الأخبار» أن «فلوميفير صناعة لبنانية 100%، مسجّل في وزارة الصحة اللبنانية ويتمتع بالمواصفات الأوروبية. موجود في السوق منذ نحو شهرين». وأكد قدرة الشركة على إنتاج الكمية التي قد يحتاج إليها اللبنانيون، وهو متوافر في السوق، فيما عمدت روش إلى سحب دوائها قبل فترة، إضافة إلى أننا بتنا نلبي طلبات للخارج».


شركات التأمين

يشكو العديد من المواطنين امتناع شركات التأمين عن دفع بدلات علاج الإصابة بالفيروس. وهذا ما لفت إليه الدكتور جاك مخباط (الصورة)، داعياً الشركات إلى الالتزام بالعقود المبرمة معها. «الأخبار» اتصلت بأربع من أبرز شركات التأمين في لبنان، وتحدثت مع أقسام الموافقة على الاستشفاء فيها، فكانت الإجابة الامتناع عن معالجة هذه الحالة. وفيما امتنع ثلاثة عن الإدلاء بسبب الرفض، احتمل أحد الموظفين أن يكون السبب «أن مدة الشفاء من المرض غير معروفة، أو أن المرضى سيتكاثرون. في كل الأحوال نحن لم نتبلّغ أي قرار إداري يسمح بالموافقة على هذه الحالات».