افتُتح أمس المختبر الجنائي المركزي. هو خطوة متطورة في وجه الجريمة وفك ألغازها. أخيراً صار لدى لبنان تقنية علمية راقية تسهم في الابتعاد عن تعذيب المشتبه بهم، كوسيلة ظالمة للحصول على المعلومة...
محمد نزال
المارّون أمس قرب ثكنة إميل الحلو في بيروت، استوقفتهم الإجراءات الأمنية المشدّدة. إشارات صفراء اللون لمنع وقوف السيارات، ورجال من قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني اصطفّوا على طول الطريق الممتد من كورنيش المزرعة إلى شارع مار الياس.
ما الحدث؟ سؤال تردّد على ألسنة العديد من المواطنين الذين علقوا في زحمة السير «الأمنية». الجواب أتى من داخل الثكنة العسكرية، إنه حفل افتتاح المختبر الجنائي المركزي، التابع لقسم المباحث العلمية في وحدة الشرطة القضائية، التابعة بدورها للمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي. «المفتتحون» كثر، شخصيات سياسية وأمنية كبيرة. وصل وزير الداخلية والبلديات زياد بارود قرابة الساعة الـ11 صباحاً. قُرعت له طبول الترحيب، وترافقت مع تقديم التحيّات العسكرية من جانب اللواء أشرف ريفي وكبار ضباط قوى الأمن الداخلي. وقف بارود مع ريفي يتحادثان، في انتظار الضيف المنتظر، بعد نحو نصف ساعة وصل رئيس حكومة تصريف الأعمال فؤاد السنيورة، فصافح بارود وريفي والضباط على وقع الطبول. صعد الجميع إلى الطابق الخامس من مبنى الثكنة المذكورة، وبدأ الحفل.
تحدث بدايةً رئيس قسم المباحث العلمية العميد هشام الأعور، فرئيس مكتب المختبرات الجنائية العقيد أسعد نهرا. تلاهما سفير دولة الإمارت العربية المتحدة رحمة الزعابي، فسفير السعودية علي عسيري (الذين تقدّم حكومة بلاد كل منهما دعماً مالياً للمشروع)، ثم كانت كلمة للمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي. بعد ذلك ألقى وزير الداخلية والبلديات زياد بارود كلمة للمناسبة، وأخيراً تحدث رئيس حكومة تصريف الأعمال فؤاد السنيورة.
تشمل صلاحيات المختبر المركزي جميع الأراضي اللبنانية، وتستفيد منه قوى الأمن الداخلي والقضاء والجيش والأجهزة الأمنية المختلفة، ويتألف من مكتب المختبرات الجنائية، مكتب الحوادث المركزي، وتتبع له مكاتب فرعية في المحافظات: مكتب التحقّق من الهويّة، مكتب المتفجّرات، مكتب اقتفاء الأثر، البصمة الوراثية والكلاب البوليسية.
وفي سياق الكلمات التي أُلقيت في الحفل، توقّف السنيورة عند «الرعاية العربية للبنان، تحديداً من دول الخليج العربي، إذ إن هذا المختبر المهم لم يكن لينشأ لو لم تتقدم السعودية، بتأمين التمويل اللازم من أجل شراء تجهيزاته، وذلك من ضمن منحة المئة مليون دولار التي تبرّعت بها المملكة لدعم إعادة تجهيز الجيش وقوى الأمن الداخلي، وكذلك أسهمت دولة الإمارات في ترميم مبنى المختبر وجعله قابلاً لكي يستوعب هذا التجهيز الحديث».

مسالك أجوبة

ريفي: الفوضى كانت تعم المسارح عند كل جريمة تحصل في لبنان
بدوره تحدث الوزير بارود، فأشار إلى معاناة الناس على المستوى الأمني، إضافةً إلى معاناة القوى الأمنية التي تحتاج إلى تطوير القدرات وتعزيزها، وقال «أسمع كما تسمعون، صوت الجريمة المدوّي الذي يعلو دوماً صوت المعالجة، أكانت استباقية مانعة للجريمة أم لاحقة، تحاول فك ألغازها لتأتي بالمجرم إلى العدالة. وأسمع كما تسمعون، ومن داخل مؤسسة قوى الأمن الداخلي، أصواتاً تطالب بأدوات العمل والتمكين، وبتطوير القدرات وتعزيزها كي تقوم بالواجب». وردّد بارود مراراً عبارة «أسمع كما تسمعون»، مضيفاً إنه يسمع أيضاً «أصوات الناس يصرخون استغاثةً أو غضباً أو خوفاً. أسمعهم ينادون بالدولة الحامية ويطالبونها، إذا ما وقعت الواقعة، بأجوبة في حجم مأساة الجريمة. أسمع، وتسمعون صدى إرث تراكمي من الإهمال في حق مؤسسات المجتمع الحامية، نطالبها بالكثير ولا نعطيها إلا القليل، وقد تعاظم دورها مع تعاظم الجريمة وتفرّع أشكالها». بعد هذا الإسهاب في شرح المعاناة، تحدث بارود عن المختبر الجنائي المحتفى بافتتاحه، الذي «يدخل على خط المعالجة ليقدم إلى المحققين مسالك أجوبة، وليقدم إلى العدالة خلاصات وأجوبة، وليقدّم إلى الناس جزءاً من حقهم على دولتهم»، وأضاف: «أهمية هذه المختبرات أنّها سلاح متطور في وجه الجريمة وألغازها، سلاح في وجه التعذيب، الوسيلة المرفوضة كلياً للحصول على المعلومة. وسلاح يعزّز احترام حقوق الإنسان، ويمكّن من الحصول على المعلومات بمجرد اللجوء إلى العلم الجنائي». ورأى بارود أنه مع المختبر المذكور «ستكون لنا شبكة أمان علمية، متخصصة، تسهم في تحقيق العدالة، وكشف الجريمة بفاعلية كبرى، لكن أيضاً باحترام كامل لحقوق الإنسان وللمعايير الدولية المعتمدة».
المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي تطرّق إلى مشاركة دولة الإمارات العربية المتحدة في تحمّل كامل نفقات تشييد المبنى، ولفت إلى أن السعودية تكفّلت دفع تكاليف التجهيزات الحديثة، إضافةً إلى الاتحاد الأوروبي الذي وفّر كامل التجهيزات، وكذلك برنامجاً تدريبياً متكاملاً.
اعترف ريفي في كلمته بأن «تعامل رجالنا مع مسارح الجريمة ليس بالمهنية التي وصلت إليها أجهزة الشرطة في العالم المتقدم»، كما أشار إلى «الفوضى التي كانت تعمّ المسارح عند كل جريمة كبرى تحصل في لبنان»، وبالتالي، لا يمكن تغيير هذا الوضع إلا «باتخاذ إجراءات عملية، إذ لا لا تكفي التمنّيات والمواعظ»، وأخيراً كل الشكر إلى كلّ من أسهم «في تحقيق هذا الحلم».
تجدر الإشارة إلى أن شركة « BIOMATRICS» نالت موافقة خبراء الأدلة الجنائية الهولنديين، على تعهد العمل على المشروع.
من جهته، أشار السفير الإماراتي رحمة الزعابي إلى دعم بلاده لقوى الأمن الداخلي، بوصفها «الضامنة للأمن وللحياة اليومية للإخوة الأشقاء في لبنان»، إذ يأتي هذا المختبر الجنائي المركزي «ترجمة لعرى الصداقة بين الإمارات ولبنان». ولفت الزعابي في كلمته إلى أن الإمارات «أبرمت العقود مع أكفأ الشركات اللبنانية ذات الاختصاصات العالية للحصول على أفضل النتائج، ووفق المعايير العالمية الخاصة بإنشاء هذه المختبرات وتجهيزها». بدوره أكد السفير السعودي علي العسيري في كلمته تمويل بلاده للمختبر الجنائي، الذي يمثّل «نقلة نوعية في مجال التدقيق في التحقيقات، وتسخير العلم في سبيل الوصول إلى الأدلة الدامغة والحقيقة الكاملة، وبالتالي إلى إحقاق العدالة، والخدمات التي يقدمها تسهم إسهاماً مباشراً في مكافحة الجريمة والحد من انتشارها».


17 امرأة و5 رجال

أكد مسؤول أمني من المختبر الجنائي المركزي لـ«الأخبار» أن للمختبر دوراً أساسياً في كشف الجرائم، لكنه يمثّل حلقة ضمن سلسلة متكاملة، تبدأ من الآلات المتطورة لتصل إلى الطبيب الشرعي. ولفت إلى ضرورة أن يتسلّم المحقّقون في قوى الأمن المعنيّون بجرائم القتل والإرهاب، التحقيق على الأرض من بداية الحدث، فأحياناً لا يكون قاضي التحقيق على معرفة كاملة بمن يجب أن يكلّف، ولذلك بدأنا تعاوناً تدريبياً مع القضاء في هذا الشأن.
أكد المسؤول الأمني أن لبنان هو البلد العربي الأول الذي يتقدم بمشروع قانون لإنشاء قاعدة بيانات وطنية مركزية تُعنى بالبصمة الوراثية. لكنه لفت إلى أن العاملين في المختبر يحتاجون إلى فترة تدريب قبل مباشرة العمل. وأشار إلى أن التكلفة بلغت نحو 7 ملايين دولار أميركي، ما عدا تكلفة محطة الكهرباء الخاصة، التي أُنشئت للتغذية. أما عن العاملين هناك، فهم جميعاً أكاديميّون، وعددهم 22 شخصاً، من بينهم 17 امرأة. وختم المسؤول الأمني «لأول مرة يكون الاختيار من منطلق الكفاءة، وبعيداً عن المحاصصة الطائفية».