طرابلس ــ عبد الكافي الصمدافتُتح الجامع المنصوري الكبير في طرابلس بعد ثلاث سنين من الترميم والتأهيل بكلفة فاقت أربعة ملايين دولار، تكفلت بها مؤسسة الحريري. يعد الجامع المنصوري الكبير أهم وأكبر معلم ديني مسلم في عاصمة الشمال، وقد شُيّد في عهد السلطان خليل بن قلاوون (1294).
بالنسبة إلى الطرابلسيين، ترميم الجامع الكبير ليس مسألة بسيطة، ففي سنة 1974 حاولت المديرية العامة للآثار بدء ورشة ترميم في أرجاء الصرح، لكن عملها رُفض من الأهالي الذين وزعوا مناشير رأوا فيها أنّ الورشة بمثابة «مؤامرة لتحويل الجامع إلى متحف، مؤكدين أنها ستؤدي إلى فتنة». فتوقفت أعمال الترميم وأُرجئ الأمر إلى 2006. عملية التأهيل أتت بناءً على وعد قطعه الرئيس الراحل رفيق الحريري ورصد له موازنة مالية، وبعد اغتياله تولى ابنه بهاء الحريري وشقيقته وزيرة التربية بهية الحريري المهمة.
يقع الجامع المنصوري الكبير في حيّ النوري، بابه الرئيسي يوصل المصلين إلى فناء واسع تتوسطه بركة الوضوء وتزين أطرافه ثلاثة أروقة تؤدي إلى المصلى. ترتفع مئذنته في الرواق الشمالي وتلقب بالبرج نظراً لضخامتها. وفي سنة 1891 أهدى السلطان العثماني عبد الحميد إلى طرابلس شعرتين من أثر الرسول محمد، وضعتا في علبة من الذهب الخالص، وتوافق أهل المدينة على وضعها في الجامع المنصوري الكبير حيث بُنيت لها غرفة تُعرف اليوم بغرفة الأثر.
يشرح المهندس خالد الرفاعي، مسؤول الترميمات الأثرية في المديرية العامة للآثار، المبدأ المتّبَع في عملية التأهيل في الجامع المنصوري، يقول: «أراد المهندس لمعي إرجاع الجامع الى ما كان عليه يوم بنائه، أي العودة إلى المستوى المملوكي والمحافظة على أرض واحدة للجامع وإبرازها. لكن خفض مستوى أرض الجامع إلى أولى حقب البناء جعل المحراب الثاني في الجامع يبرز كأنه مرتفع في الهواء. ويعيد الرفاعي وجود المحرابين في الجامع الواحد إلى أنه تقليد رائج في الجوامع الكبيرة، والهدف منه الإشارة إلى اتجاه القبلة للمصلين في كل القاعات».
الفريق عمل عملاً مكثفاً لمعالجة المشاكل الهندسية من تسرب مياه وتصدع جدران. ويقول غلاييني: «شُيّد الجامع في أخفض نقطة جغرافية في طرابلس، وكان بستاناً تتجمع فيه المياه، ما أوصل إلى ترطب دائم للجدران. وحاول القيّمون حلّ المشكلة بتلبيس المبنى طبقةً من الخشب ورفع مستوى أرض الجامع. لكن ذلك لم يكن كافياً. اليوم، عملنا على تحرير واجهة الجامع من الركام وأنشأنا في محيط المبنى خندقاً وفيلتراً لسحب الرطوبة والمياه من الجدران، وأزلنا الإضافات لإكمال التهوية. وحفرنا الأرض تحت المستوى التاريخي ووضعنا فيها طبقة من الحجر النهري وفوقها طبقة من الكلس ثم رصفنا البلاط».
وكان الجامع يعاني مشاكل إنشائية، فسطحه كان يدلف الماء، ما دفع بالقيمين عليه إلى إضافة طبقات إسمنتية، فتحولت سماكة السطح إلى 1.65 سنتيمتر بدل 35 سنتيمتراً، أي بزيادة وزن وصلت إلى 3 أطنان، ما أدى إلى حصول تشقق في الجدران وانهيار أحد السقوف. ويقول غلاييني: «اليوم أزلنا الحمولة الزائدة، وأعدنا بناء العقود أو شدها. وأظهرت الدراسات الجيولوجية أن تسرب المياه هو السبب في انهيار جزء من الزاوية الغربية وتفسخها، فكانت المعالجة ببناء جدار باطوني بعمق 9 أمتار وطول 50 متراً تحت الأرض، ليكون كالسد في وجه تدفق المياه نحو الجامع».
أما عن المئذنة، فيقول غلاييني إن «حجرها كان متفسخاً، فأجرينا عملية شدّ لحجارتها عبر شعيرات الكربون، وهذا العمل هو الأول من نوعه الذي يطبَّق في الشرق الأوسط».
أما عن تأهيل الجامع من الداخل، فقد تغيّر شكله كثيراً، إذ أراد أرباب الترميم أن يأتي شكله مملوكياً، فاستوردت من مصر الثريات، والسجاد البسيط الشكل وزُينت قناطر الأبواب الخشبية بأشكال مستوحاة من الفن المملوكي والأرابيسك».