حسان الزين


لإرسال رسالة الى المحرر، انقر هنا

فضيحة. سجن رومية فضيحة إنسانية، لكن ما جرى فيه (وما يجري) فضيحة أمنية، حتى لو قُبض على السجين، الذي حاول الفرار، طه سليمان. وعلى وزير الداخلية، زياد بارود، تمنّي أن تكون هذه الحادثة آخر انزلاق يُدفع إليه قبل أن يسلّم حقيبته الوزارية إلى خَلفه، أو إلى نفسه مجدّداً. فزياد بارود، الذي جيء به إلى «رأس» وزارة الداخلية من مكتب المحاماة خاصّته، ومن قصور العدل والعلاقة بـ«المجتمع المدني»، ليس في وضع يُحسد عليه. وضعه يشبه إلى حدّ كبير وضع السجين، الذي حاول الفرار. زياد بارود سجين وزارة الداخلية، إن لم نقل الحكومة عموماً، بل الطاقم السياسي بجديده وقديمه، بالزمني منه والإلهي، بالعسكري والمدني.
وعلى الرغم من أن زياد بارود لم يحاول الفرار، إلا أنه قُبض عليه بعد محاولة الفرار الفاشلة، التي نفّذها طه سليمان و«إخوته» في الإسلام، بل قبل ذلك. ويُقبض عليه يوميّاً.
زياد بارود وزير الداخلية، والسجين الذي فشلت محاولة فراره... متعادلان.
حال زياد بارود أفضل نموذج لما يسمّى استعانة الطاقم السياسي بأشخاص، ككفاءات أو كمخارج أو كأرجل كراسٍ، من خارجه. وعلينا ألّا نتوقع ونتوهم الأحسن. الطاقم السياسي وأتباعه وأدواته في المؤسسات الرسمية، مدنية وعسكرية وأمنية، يشبهون سجن رومية، بمساجينه وسجّانيه (وياما في السجن مظاليم). والشاطر هو من ينجو منه. و«الدولة» ليست أفضل حالاً من ذاك البناء، سجن رومية، الذي صمّمه في أوائل الستينيات من القرن الماضي المهندس بيار الخوري (بالتعاون مع وزارة العدل الفرنسية) المتأثر معمارياً بمنهج الحوار بين الضوء والهواء والبناء، والقائل إن البناء مكانٌ ذو وظيفة جمالية وإنتاجية، إلا أنه بات مخزناً بشرياً، يحيل على أحزمة البؤس والسقوط، وعلى المباني الخَرِبة بفعل الحرب والدمار والإهمال والقمع والنفي، الخارجة عن شروط العيش والكرامة.
بمعزل عن كفاءة زياد بارود ومؤهّلاته العلمية والأدبية، وزارة الداخلية صعبة ومعقّدة، إنها محرقة. وإذ يُلام زياد بارود على موافقته على دخول الحكومة، بالرغم من إيجابيات أنجزها، فإنه كان من المفيد أن يقف على رأسها «مواطن» من خارج «أسلاكها» وكابلاتها وخطوط توترها ليظهّر بعضاً من خفاياها، وما أكثرها، ولم نرَ بعد إلا القليل القليل. علماً أن لطه سليمان فضلَ جزءٍ من هذا الإنجاز الفضيحة. ما يدلّ، مرة أخرى، على القدرة القصوى التي يمكن أن ينالها سجين وزارة الداخلية، أي وزيرها في مسمّى زياد بارود، بل أي وزير آخر، سواء أكان زياد بارود أو أي شخص «جيء» به من خارج الطاقم السياسي لسبب أو لآخر. فالسجين «الحقيقي» في رومية أقوى منه في تظهير الفساد. وبينما هو سجين (وزير) وزارة أقرب إلى مغارة علي بابا، يعجز عن تظهير فساد سجن، فكيف به في وزارته المتعددة الرؤوس والشُّعب والفروع والأجهزة والارتباطات التي تتجاوز القانون و«الدولة» إلى المذاهب وزعاماتها والمصالح السياسية المتبدّلة والأبدية.
ليست مسألة فرار طه سليمان و«إخوته» في ما تقوله، أولاً، من هشاشة أمنية وإدارية ناتجة في الغالب من تفتّتٍ وتصارعٍ بين رؤوس وزارة الداخلية، على أهمية هذا البُعد. ولا المسألة مسألة فساد وزارة وأجهزة مؤتمنة على أمن المواطنين والبلاد، على أهمية هذا البعد أيضاً. المسألة مسألة فساد نظام لا يمكن إصلاحه بتعيين وزير وسجنه على رأس مغارة. فالرأس هنا أشبه بجناح سوبر دولوكس في سجن رومية. في النهاية هو سجن، وفي رومية تحديداً، حيث يستطيع سجين ذو عقيدة أن يحاول الفرار، بينما يعجز وزير (في سوبر دولوكس) أن يعرف ما يجري في العنابر والأقبية والدهاليز الأخرى، أو أن يقول ما يجري هناك، في السجن وفي الوزارة وفي النظام، إذا عرف وتألم.
«فات المعاد» يا زياد بارود. ولعل هناك، بين أمثال زياد بارود، من مواطنين حريصين على القانون وحقوق الإنسان وغيرها من الشعارات الأيديولوجية المدنية، من يعتبر.
لكن، لِمن تقرأ مزاميرك يا داوود. فأمثال زياد بارود ورفاقه تفرّقوا، إما في إدارات النظام وأحزابه المذهبية في الوطن وممثلياته الخارجية، وإمّا ينتظرون أن ينعم على كلّ منهم زعيمُ طائفته، فيُستَدعَون إلى حصص وزارية أو نيابية أو حتى استشارية وامتيازية وانتفاعية. والشاطر من هؤلاء المستدعَين هو من يبقى ديكوراً أو مكياجاً ولا يغدو من الجسد القبيح.
من يبقى حرّاً خارج السجن.
زياد بارود نهاية حلم جميل. من استيقظ؟