لم يكد خبر إنشاء محطة تكرير الصرف الصحي لبلدة شمسطار، في تل «حوش باي» في بلدة طاريا البقاعية يصل إلى مسامع أهل هذه المنطقة، حتى أقاموا الدنيا ولم يقعدوها. فالمحطّة المنوي إقامتها ستجاور منازلهم وتهدد مشروعهم المستقبلي الهادف إلى إضافة منطقتهم إلى لائحة المناطق السياحية. وإن كانت وزارة البيئة وبلديّتا طاريا وشمسطار وافقت على المشروع «لأنه غير مضر»، فهل يلتزم الأهالي بالقرارات الرسمية؟
طاريا ــ رامح حمية
«على أساس أن الدولة بمؤسساتها وإداراتها تحاول جاهدة محاربة أنفلونزا الطيور والخنازير ومكافحتهما، لكنها فاجأتنا بمحاولة نشر أنفلونزا المجارير في منطقتنا التي نسعى إلى أن تصبح على لائحة المناطق الأثرية والسياحية». بهذه الكلمات ردّ المواطن يوسف حمية على القرار القاضي بإنشاء محطة لمعالجة المياه المبتذلة الخاصة بمجارير بلدة شمسطار في تل «حوش باي» في منطقة طاريا العقارية، والذي كانت قد اتخذته بلديّتا المنطقتين. ويعدّ التل في طاريا من الأماكن السياحية والأثرية المهمة في المنطقة، لكونه يضم أقدم مورد مائي بناه الرومان في عام 60 قبل الميلاد، فضلاً عن مقلع حجري وتل للملك «باي» الذي يحوي بين ثناياه نبعين يستفيد منهما الأهالي والمتنزّهات المجاورة. قد يفقد هذا التل ميّزاته إذا ما اتّخذ القرار النهائي بإقامة محطة الصرف الصحي فيه، وخصوصاً بعدما حصلت بلدية شمسطار على تمويل خاص من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية لإنشاء هذه المحطة.
لم يكن أمام بلدة شمسطار خيار آخر غير إقامة المحطة في طاريا، وذلك بسبب عدم وجود عقارات فيها لإقامتها. وقد اختيرت أراضي منطقة طاريا العقارية في «عين غطاس»، وهي النقطة التي تُعدّ المصبّ الأساس لمجارير البلدة، الأمر الذي فرض وجود بلدية طاريا شريكاً في المشروع، على أن تستفيد من المحطة بعد أن تنجز تمديدات الصرف الصحي، التي تقتصر الآن على 1500 متر فقط (أقل من ثلث البلدة).
المسألة باتت عند المراجع المختصة وهي المخوّلة بالحل
رئيس بلدية شمسطار فاضل الحاج حسن شرح لـ«الأخبار» أن البلدية «اتفقت مع شخصين من أصحاب العقارات في تل حوش باي على البيع بقيمة 3،25 دولارات للمتر الواحد، وأبلغت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بالموقع، حيث حضروا مع ممثّلين عن مجلس الإنماء والإعمار ووزارة الداخلية، «وأبدوا إعجابهم بالموقع ورضاهم عنه». كذلك أشار إلى أن «المسألة تحتاج فقط إلى حل مشكلة حصر الإرث، التي تولّى حلّها مكتب عقاري». وأوضح «أن البلدية لجأت إلى تل حوش باي بعد فشل البيع في عين غطاس (مجرى الليطاني) بسبب إصرار صاحب العقار على سعر عشرة دولارات للمتر الواحد».
وعن العريضة التي تقدم بها أهالي تل حوش باي، التي يرفضون فيها المشروع، نظراً إلى الضرر الصحي والبيئي الذي سيلحق بهم، أشار الحاج حسن إلى أن «القائمقام أرسل إلى البلدية نسخة عن العريضة، وأن الرد عليها كان إحالة أمر بت الموقع إلى المراجع المختصة في الوزارات المعنية، كالداخلية والزراعة والصناعة، وذلك بموجب مذكرة التفاهم الموقعة بين وزارة الداخلية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية». وأكّد أن «وزارة البيئة وافقت على المشروع بعد الكشف عليه، نظراً إلى عدم تأثيره على بيئة المنطقة وقاطنيها». ولفت الحاج حسن إلى أن المشروع فيما لو رفضت المراجع المختصة السماح بإنشائه في حوش باي، فإن «بلدية شمسطار ستسعى إلى زيادة تمديدات الصرف الصحي باتجاه حوش سنيد أو حوش الرافقة، وستخسر طاريا حصّتها من المشاركة في المحطة».
بدوره، قال رئيس بلدية طاريا حبيب حمية لـ«الأخبار» «إن القرار الذي اتخذته البلدية قضى بالموافقة على إنشاء محطة لمعالجة المياه المبتذلة في منطقة طاريا العقارية (...) دون تحديد رقم العقار، فضلاً عن بند متعلق بتفويض المدير العام للإدارات والمجالس المحلية في وزارة الداخلية خليل حجل توقيع مذكرة التفاهم مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية». وأوضح أن «المسألة باتت عند المراجع المختصة، وهي المخوّلة بالحل». وتساءل حمية: «لماذا محطة التكرير لم تكن مضرّة عندما كانت عند المصب في عين غطاس، بينما أصبحت كذلك عند تل حوش باي؟ وأكد أنه سيقف حائلاً دون تنفيذ المشروع فيما لو اتُّفق على عقار عين غطاس بدلاً من تل حوش باي، وأنه لن يوقّع عليه».
من جهتهم، أكّد الأهالي رفضهم للمشروع لكونه يضرّ بمنازلهم وعائلاتهم وأراضيهم. فقد أبدى غازي حمية، صاحب أحد المنازل المجاورة لتل حوش باي، انزعاجه واستياءه العارم لإنشاء المحطة في تل الملك باي الأثري الذي «نفاخر به ونسعى إلى أن يكون على لائحة المناطق الأثرية والسياحية»، وأشار إلى أنه نظّم عريضة لمواجهة هذا المشروع، وقد وقّع عليها أهالي حوش باي، إضافة إلى مختاري البلدة. وتهدف هذه العريضة إلى «التعبير فيها عن رفضنا القاطع لإنشاء المحطة في أحضان منازلنا»، موضحاً أنه أرسل نسخاً عن العريضة إلى كلّ من محافظ البقاع ومديرية الآثار وبلديتي طاريا وشمسطار، كما عقدوا اجتماعاً مع قائمقام بعلبك الذي أبدى بدوره تفهّمه «ووعد بمعالجة المشكلة». أما عاطف حمية، وهو صاحب عقار «عين غطاس»، الذي كان من المفترض أن تشتريه بلدية شمسطار، فقد أوضح «أن المهندس المشرف وبلدية شمسطار بعد الكشف على الموقع أعلنا قبولهما ووعدا بإبرام الاتفاق في وقت لاحق، ليفاجأ بأنهما سيبرمان عقد بيع مع غيره في منطقة التل». وأكّد حمية باسم الأهالي الموجودين في منطقة التل أنه «لن نرضى بإقامة محطة للصرف الصحي بين بيوتنا». بدوره، لم يجد ياسر حمية مفرّاً من إطلاق بعض التهديدات قائلاً: «إذا لم تنفع العريضة أو المناشدات أو حتى الإعلام في تخليصنا من هذه المشكلة .. فما حدا بيشيل هالراس إلا اللي حطو.. وخلّي آلية تمر من هون».
قال أهالي طاريا ما يريدونه. أعلنوا رفضهم للمشروع الجديد، وناشدوا رئيس الجمهورية ووزراء الداخلية والصحة والبيئة والسياحة التدخل لمنع هذا المشروع القاتل لمنطقتهم. يبقى القرار في عهدة الوزارات التي لم تجب إلى الآن.