وادي قنوبين ــ فريد بو فرنسيسإنها التاسعة صباحاً من يوم الأحد (أمس). الناس يتوافدون بكثافة إلى دير مار انطونيوس قزحيا ليتباركوا من الموقع أو ليشاركوا في القداس، لكنّ مشهداً مفاجئاً كان بانتظارهم. نهر من المياه يجري على الطريق العام. وفي أعالي القمة المطلّة على الدير، يبدو واضحاً للعيان «شلال هادر» يقذف مياهه بين صخور الشير المطلّ على الوادي، فتنساب المياه بين الصخور حتى تصل إلى الطريق العام من دون توقف، متجاوزة مقابر القديسين ورفاتهم المدفونة في الصخور، والمغاور الأثرية التي يتغنّى بها الوادي.
«من أين تأتي هذه المياه؟ أليس هناك وسيلة لإبعادها عن طريق الناس أو تحويلها إلى مجرى آخر؟» يسأل المواطنون. عن هذ الأسئلة، يجيب جورج، عامل الموقف الذي يحاول قدر المستطاع أن ينظّم حركة وقوف السيارات في الباحة الخارجية للدير، فيقول: «المياه تأتي من بلدة إهدن، وتحديداً من منتجع «كونتري كلوب» السياحي، الذي يفرغ حمولة مجاري الصرف الصحية في الوادي المطلّ على الدير بطريقة متكرّرة». يضيف بأسف: «إنها ليست مياه النبع، بل هي مياه آسنة تسيل من دون توقف لليوم الخامس على التوالي. تتوقف فترة معيّنة من ثم تعود فتتدفّق من أعالي الجبل المطلّ على الوادي من دون أن يرفّ لأحد جفن».
مسؤولو الدير ورهبانه لم يعد باستطاعتهم السكوت عن هذا الموضوع البيئي الخطير، وعن التجاوزات المتكررة التي تحصل. يقول رئيسه الأب طوني طحان «الموضوع أثير أكثر من مرة مع أصحاب العلاقة، إلّا أننا لم نلقَ جواباً حتى الآن، إنه عمل مرفوض لا أحد يقبله، حتى هم أنفسهم. المياه المبتذلة تصبّ غضبها على المقابر المقدسة في جبل الوادي وعلى رفات القديسين والنسّاك المدفونين هناك». يتساءل طحان هل أصبح الوادي المقدس مصبّاً لنفايات «الكونتري كلوب»، لقد «اتصلنا بهم عبر القائمقام واتحاد البلديات، هناك كلام حلو ولكن من دون نتيجة». ويأمل طحان أن يجري التعاطي مع الموضوع بجدية وإلا فسوف يؤدي هذا الأمر إلى تلوث كبير في منطقة الوادي المقدس. مطالباً رئيس اتحاد بلديات زغرتا بأن يؤدّي دوره في هذا المجال، كذلك أصحاب المنتجع «لأنهم مجبرون على حلّ هذه المعضلة عبر إنشاء محطة تكرير لحماية البيئة، التي سوف تنعكس أضرارها على الجميع».
من جهته، لا ينفي المدير العام لمشروع «كونتري كلوب» في إهدن، جميل معوّض مشكلة المياه المبتذلة الحاصلة «بين سكان منازل إهدن المطلّة على الوادي وبين رهبان دير قزحيا» بحسب تعبيره. لكنه يقول: «من الظلم اتهام منتجع إهدن كلوب وحده بهذا الأمر، فهذه ليست مياه المنتجع السياحي فقط، بل هي مياه كل المنازل الواقعة في المنطقة، التي تطلّ على الوادي المقدّس، هناك أكثر من 75% من المياه المبتذلة التي تصب في الوادي مصدرها سكان تلك المنازل». وفيما تحدث معوض عن مراسلات عدة حصلت بين إدارة المنتجع ورئاسة الدير من دون التوصل إلى أيّ حل يرضي الطرفين، كشف عن اتجاه لحل هذه المعضلة «ثمة نية لدى إدارة الكونتري كلوب واتحاد بلديات زغرتا بالتعاون مع الدولة اللبنانية لإنشاء محطة تكرير للمياه المبتذلة خاصة بالمنطقة المشرفة على الوادي المقدس، وقد بدأ الإعداد للدراسات والخرائط اللازمة، إضافةً إلى تأمين مصادر التمويل الخاصة بها».


خطر الانزلاق

لا يعدّ دير مار انطونيوس قزحيا في وادي قنوبين مزاراً للمؤمنين من سكان المنطقة فحسب، بل هو مكان سياحي بامتياز. وقد اعتاد أن يشهد ازدحاماً ملحوظاً في مثل هذه الأيام. لكن عجقة الزوّار والسيارات، ومعظمهم من السيّاح العرب والأجانب، يعوقها تدفّق المياه، الذي يحول دون وصول السياح في الوقت المناسب، الذي يسبق القداس والصلاة. فالطريق لم تعد سهلة، وخصوصاً عند المدخل الجنوبي للدير، حيث يضطر سائقو السيارات إلى التمهل خوفاً من الانزلاق بسبب المياه الآسنة التي تغزو المكان.