strong>علاء اللامي *في لقاء مع إحدى القنوات الفضائية العراقية، أدلى نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي بمعلومات مهمة وجديدة لا يمكن التكهن بالسبب الحقيقي الذي جعلها محجوبة عن الإعلام والرأي العام، أو جعل صاحبها يتكتم عليها حتى الآن. يهمنا من تصريحات السيد الهاشمي، ذلك الخاص بالوضع الخطير والمتدهور الذي آلت إليه حالة أنهار العراق، وخصوصاً نهريه الكبيرين دجلة والفرات. وهو الوضع الذي اختصرته جريدة «نيويورك تايمز» أخيراً، بأنه يذكرنا بعلامات يوم القيامة كما وردت في الكتب المقدسة ونبوءات العرافين! فزراعة الأرزّ توقفت، والعواصف الترابية باتت تضرب مدن العراق وأريافه يومياً تقريباً، والأسماك انقرضت، والأهوار والمسطحات المائية الجنوبية تحولت إلى برارٍ موحشة، بعدما كانت لسنوات قليلة خلت واحدة من أكبر المحميات الطبيعية على وجه الكوكب وأجملها.
قال الهاشمي إنّ المشاريع والتهديدات الإيرانية أخطر بكثير من مثيلتها التركية. وأكد الهاشمي أن الجانب التركي بدا متفهماً، بعكس إيران، لاحتياجات العراق المائية ولمأساوية الوضع الذي يمر به، وإن الحكومة التركية وافقت للمرة الأولى في تاريخ الصراع على المياه، على استقبال لجنة من فنيين عراقيين يراقبون من تركيا كميات المياه العابرة بموجب الإطلاقات المعلنة، التي تخرج فعلاً من نقطة الحدود التركية ـــــ السورية قرب مدينة جرابلس. واشترطت تركيا وجود فنيين عراقيين أيضاً عند نقطة بلوغ تلك الكميات من المياه الحدود العراقية ـــــ السورية، وحساب الوارد منها والداخل فعلاً إلى الأراضي العراقية.
يوحي كلام الأتراك هنا، الذي ينقله الهاشمي، كأن تركيا تشكّ بالدور السوري وباحتمال أن تكون سوريا قد دأبت على «احتجاز» الكميات المحسوبة على حصة العراق أو جزء منها في سدودها. وهذا أمر لمّح إليه مسؤولون عراقيون في مناسبات كثيرة. كذلك، انتقد مسؤولون سوريون علناً ما سمّوه «التبذير والهدر العراقيَّين» للمياه في شط العرب، ناسين أو متناسين أن المياه التي تصل إلى شط العرب تكون في حالة سيئة بسبب التلوث الشديد والملوحة العالية، وهي غير قابلة للاستهلاك الحيواني، لا البشري فحسب. أما لماذا هذا التردد أو التقاعس من الحكومة العراقية في تأليف اللجان الفنية والبدء في عملها، ما دامت تركيا قد وافقت على تأليفها واستقبالها، فهذا ما لا تعرف أسبابه.

تشنّ إيران حرباً حقيقية ومكشوفة على العراق وشعبه من خلال سياساتها المائيّة
من الأمور المهمة التي أشار إليها نائب الرئيس العراقي، المجزرة التي تحدث الآن لغابات النخيل في محافظة البصرة، والتي تستقي من شبكة الجداول الصّابة في شط العرب. فبعدما حجبت الحكومة الإيرانية مياه نهر قارون، الذي يصب في شط العرب بسد يبلغ طوله 462 متراً وارتفاع 205 أمتار، لتوليد ألفي ميغاواط من الكهرباء في الساعة، وبفعل ضعف الوارد إلى هذا الشط من مياه دجلة والفرات، انخفضت المياه فيه إلى أدنى مستوياتها. وهذا ما سمح لمياه الخليج المالحة بالصعود شمالاً، واجتياح شبكة جداول غابات النخيل، فبدأت هذه بالذبول والموت تباعاً. وإذا ما أضفنا إلى تصريحات الهاشمي، البيان الذي أدلى به مسؤول حكومي في إدارة الموانئ العراقية بشأن رفض إيران لتعميق نهر شط العرب وإخلاء الغوارق منه من العراقيين، ما جعل الملاحة فيه شبه مستحيلة فتعطلت أغلب الموانئ العراقية، إذا ما أضفنا هذه التصريحات إلى بعضها فسنكون بمواجهة حرب حقيقية ومكشوفة تشنها الحكومة الإيرانية على العراق وشعبه.
في لغة التفاصيل، يكشف الهاشمي في بيان لاحق عن أن هنالك 42 نهراً أو وادياً تنبع من الأراضي الإيرانية وتصبّ في الأنهار العراقية، منها 22 نهراً رئيساً، أقامت إيران عليها سدوداً وخزانات. وأشار البيان إلى أن ذلك أثّر كثيراً على إيرادات هذه الأنهار للعراق وحصول نقص كبير في الموارد المائية لمختلف الاحتياجات الإنسانية والزراعية، ما يجعل منها مصدر تحدٍّ كبير للحياة الاقتصادية في العراق. ودعا الهاشمي في بيانه إلى مناقشة هذه المشكلة الخطيرة في مجلس الرئاسة ومجلس الوزراء. ولا ندري أي حكم هذا الذي ينتظر دعوة من أحد أقطابه لمناقشة خطر داهم كهذا الخطر، وما الذي جعل هذا «القطب الحكومي» يسكت كل هذه السنوات والأشهر ثم يفيض باللقاءات والبيانات؟ وسواء كان الأمر متعلقاً بالدعاية الانتخابية المبكرة أو بدوافع أخرى، فقد وضع كلام الهاشمي الخطر الإيراني في دائرة الضوء. وستبقى علامة استفهام حقيقية تحيط بصمت الحكومة العراقية عن هذه التعديات الإيرانية، وهل بواعثها تتعلق بالولاء الطائفي على حساب الولاء الوطني. أما محاولة السيد الهاشمي التقليل من شأن الخطر التركي، فلن يكون النجاح حليفها. فالواقع يقول إن ربع واردات دجلة والفرات التي تحتجزها السدود التركية يساوي ـــــ إن لم يزد ـــــ واردات أنهار العراق من المياه ذات المنابع الإيرانية.
غير أنّ جهود السيد الهاشمي ستكون ذات تأثير حاسم إذا صحّ ما ذكره عن موافقة تركيا على وجود لجان فنية عراقية تراقب مقادير الحصة العراقية من نهري دجلة والفرات في تركيا وسوريا. لكن مَن سيقرر كمية الحصة العراقية وكيف ومتى؟ سيكون من المفيد أن يشمل عمل هذه اللجان مراقبة أداء السدود التركية والسورية في مواقعها، لأن الأمر يتعلق بأمن ملايين العراقيين في القسم الأدنى من حوض الرافدين وسلامتهم. أما استمرار الجدل حول أيهما أشد خطراً على أنهار العراق، إيران أم تركيا، فقد يتحول إلى نوع من المناكفة السياسية غير المستحبة، بل والضارة، التي قد تذكرنا بحكاية تلك الدار التي راحت نيران الحريق تلتهمها، فيما غرق أهلها في جدالات لا تنتهي حول أسباب الحريق وكيف بدأ ومتى!
* كاتب عراقي