وقعت جريمة في بلدة بقاعصفرين، في قضاء الضنية، أمس، إذ قُتل المواطن علي ضاهر، بعدما أطلق عليه مسلحون النار داخل محله، ليصيبوه بست رصاصات، فيما دفع الغضب أهله وأقرباءه الى القيام بردات فعل عنيفة، استلزمت تدخل الجيش والقوى الأمنية
الضنية ــ عبد الكافي الصمد
قرابة الساعة التاسعة إلّا ربعاً من مساء أول من أمس، وفيما كان عدد من أهالي بلدة بقاعصفرين ـــــ الضنية ومصطافوها يتوجّهون لأداء صلاة العشاء في مسجدها الكبير في اليوم الثاني من شهر رمضان، أطلق مسلحون النار باتجاه علي ضاهر داخل محله فأردوه قتيلاً، كما أصابوا شقيقه بجروح.
هذا الحادث هو الأول من نوعه الذي تشهده بلدة تعدّ عروس مصايف الضنية، والمصيف الرئيسي والتاريخي لعائلات طرابلسية، منها آل كرامي، هزّها بعنف وقلبها رأساً على عقب، ودفع العديد من مصطافيها إلى مغادرتها ليلاً بعد التوتر الأمني غير المسبوق الذي شهدته، ما جعل شوارعها ومقاهيها تخلو من روّادها، والمحال من زبائنها، وسط انتشار كثيف للجيش اللبناني.
وحسب المعلومات التي جمعتها «الأخبار» من مسؤولين أمنيين في المنطقة وشهود عيان، فقد أقدم أربعة مسلحين من مرافقي مرشح سابق للانتخابات النيابية، بعد نزولهم من سيارتي رانج روفر أمام محل لبيع المرطّبات والبوظة يملكه ضاهر (33 عاماً) في الشارع الرئيسي للبلدة، وحصول تلاسن بينه وبينهم للحظات قليلة، على إطلاق النار من بنادق حربية عليه وعلى شقيقه بلال (28 عاماً)، ثم لاذوا بالفرار.
وبعد مرور دقائق قليلة على الحادث، ساد البلدة توتر شديد دفع المصطافين الذين كانت تعج بهم أرصفة الشارع ومحالّه ومقاهيه إلى العودة إلى منازلهم، في موازاة نقل سيارة إسعاف تابعة للدفاع المدني الأخوَين ضاهر إلى مستشفى الضنية الحكومي، ومنه إلى مستشفى السيدة في زغرتا نظراً لحراجة وضع علي، الذي لم يلبث أن فارق الحياة، بعدما تبين أنه أصيب بست رصاصات في جسده، فيما جرت معالجة شقيقه.
إشكالاً سابقاً وقع العام الماضي بين ضاهر ومرافقي المرشح السابق للانتخابات النيابية
وما كادت أنباء وفاة علي تصل إلى البلدة، حتى اندفع أقرباؤه وأصدقاؤه وحشد من أبناء البلدة قرابة منتصف الليل باتجاه فيلا المرشح السابق للانتخابات النيابية الكائنة في أطراف البلدة، على الطريق المؤدية إلى منطقة جرد النجاص، مزوّدين بأسلحة فردية وعصيّ بهدف إحراقها، لكن عناصر الجيش اللبناني الموجودين عند حاجز أقاموه عقب أحداث جرود الضنية مطلع عام 2000، منعوهم من الاقتراب، فحصل بين الطرفين تلاسن تطوّر إلى إطلاق نار أصيب خلاله كل من نضال كنج، علي كنج ومحمود كنج بجروح مختلفة، ونقلوا إلى مستشفى الضنية الحكومي للمعالجة.
لكن ردّ فعل المحتجين على ما حصل ازدادت وتيرته وارتدّت نحو أفراد قوى الأمن الداخلي الذين كانوا موجودين في المكان، فأحرقوا سيارتي جيب تابعتين للقوى الأمنية بعد اعتدائهم على عناصرهما، الأمر الذي رفع منسوب التوتر إلى درجة الغليان، بعدما حاولت مجموعات غاضبة اقتحام فيلا المرشح السابق للانتخابات النيابية من الجهة الأخرى، ما أدى إلى حصول تبادل كثيف لإطلاق النار استمر قرابة نصف ساعة بين حراس الفيلا والمحتجّين، قبل وصول تعزيزات عسكرية قرابة الساعة الثانية من منتصف ليل أول من أمس، استطاعت فرض الأمن وإعادة الأمور إلى نصابها تدريجياً. وفي الوقت الذي لم يعرف فيه رد فعل المرشح السابق للانتخابات النيابية (هو من سكان بلدة بقرصونا المجاورة) ولا موقفه مما حصل بعد تعذّر الاتصال به، سرت شائعات أنه وأفراد عائلته غادروا الفيلا ليلاً عبر طريق فرعية، فيما كان الجيش يقوم بدوريات راجلة ومؤلّلة في شوارع البلدة الرئيسية والفرعية، وينفّذ عمليات دهم صادر خلالها أسلحة وذخائر، وأوقف بعض الأشخاص المشتبه بهم على ذمة التحقيق.
هذا التطور الأمني ترك أثره السلبي في وضع الاصطياف في البلدة، إذ غادرت مئات العائلات منازلها ليلاً وطوال يوم أمس، وشوهدت حركة نزوح كبيرة للمصطافين منها، كما أقفلت أغلب محالّها ومقاهيها أبوابها، وسادتها حالة من التوتر والقلق والخوف جعلت شوارعها خالية من المارة والسيارات، باستثناء عناصر الجيش اللبناني الذين انتشروا بكثافة في شوارعها.
هذه الحادثة التي أحدثت خضة كبيرة في بقاعصفرين وباتت حديث الجميع فيها، لم تُعرف أسبابها الحقيقية بالتفصيل بعد، وإن كانت أغلب المصادر قد أشارت إلى أنها شخصية، وخصوصاً بعدما كشفت أن إشكالاً سابقاً وقع العام الماضي بين ضاهر ومرافقي المرشح السابق للانتخابات النيابية، لكن مصالحة عائلية جرت حينها وأنهت النزاع، الذي تجدّد على ما يبدو في اليومين الماضيين، وفق شهود عيان أفادوا أنه تطوّر إلى تلاسن وقع بين الطرفين بعد ظهر أول من أمس، وأدى إلى ما حصل.
وفي غضون ذلك، وفي نشاط اجتماعي معروف في الضنية، بدأ عدد من فعّاليات المنطقة ووجوهها السياسية والاجتماعية والدينية التحرك من أجل احتواء الإشكال وعدم تفاعله، ومن أجل عودة الاستقرار إليها.


التشييع

شيّع جثمان المواطن علي ضاهر، قبل ظهر أمس، بعد جهود مضنية بذلها وجهاء البلدة وفعّالياتها لدى ذويه، الذين كانوا قد رفضوا تسلّم جثته ودفنها، قبل الاقتصاص من الجناة أو تسليمهم إلى العدالة، إلا أنهم قبلوا بعد ذلك دفنه غير أنهم رفضوا تقبّل التعازي به، وذلك بعد إقامة صلاة الجنازة عليه في مسجد البلدة الكبير، ومواراته في الثرى في مدافن العائلة في حضور حشد كبير من أهالي البلدة، الذين توقّفوا عن ممارسة أعمالهم وشاركوا في الجنازة، التي جرت وسط إجراءات أمنية مشدّدة، وانتشار مكثّف للجيش اللبناني على طول الطريق الممتد من منزل آل ضاهر باتجاه المسجد وصولاً إلى المدافن، وفي ظل أجواء من الغضب والهتافات المندّدة بالحادثة، التي أطلقها ذووه وأصدقاؤه، خلال فترة التشييع.


جرح 3 وتحطيم آليتين وفقدان بندقية

أصيب ثلاثة عناصر في قوى الأمن برضوض جراء رشقهم أول من أمس بالحجارة في بقاعصفرين، وهم العريف بول زويتيني والمجند علي بغدادي، وقد عولجا في مستشفى سير الحكومي، والدركي زياد درويش الذي أصيب بحجر كبير في خاصرته، ونقل إلى مستشفى المظلوم في طرابلس للمعالجة.
وكان بعض الأهالي الغاضبين قد اعتدوا على آليتين تابعتين لقوى الأمن، الأولى من نوع شيروكي موضوعة بتصرف آمر فصيلة الضنية وتمكن الأهالي من قلبها على ظهرها، والثانية من نوع نيسان عائدة لمخفر السفيرة. كذلك فُقدت بندقية أميرية من نوع كلاشنيكوف كانت موجودة داخل إحدى الآليتين.