ثلاث سنوات مرت على افتتاح المبنى الجديد لمسلخ النبطية أسفل محلة كفرجوز، بدون أن يشغل حتى اليوم، فيما تعلو صرخة أبناء حي «المسلخ» القديم، لما يسببه من روائح وجراثيم وصراخ القصابين، فما الحل؟
النبطية ـــ كامل جابر
«الكل يسعى لحل مشكلة المسلخ، وخلال شهر من اليوم، يفترض أن يشغل المسلخ الجديد، وعندها سنعلن إقفال المسلخ الحالي في النبطية، إلى غير رجعة، لأنه لم يعد ملائماً لا للحي ولا لأهله». الكلام لمصدر إداري مسؤول في بلدية مدينة النبطية (آثر عدم ذكر اسمه كي لا يفسر تصريحه انتخابياً).
يستغرب أحد أبناء الحي الذي بات يكنى باسم حي المسلخ، الطبيب مصباح عمار، عدم وقف العمل في المسلخ الحالي «الذي بات يمثّل خطراً جسيماً على سلامة المواطنين في الحي، وخصوصاً أن الذبح فيه بات غير سليم، بسبب جملة من المشاكل، منها: جدرانه المتشققة وأرضيته النتنة وقدم معداته، ما يرسم ألف علامة استفهام حول صحة اللحوم التي تخرج منه الى المستهلكين ونظافتها».
ويقول عمار: «آن الأوان للتخلص من هذه الآفة وسط حي صار مكتظاً بالبيوت والسكان، وحوله تقوم مجموعة من المؤسسات التربوية، كتجمع المدارس الثانوية، ومبنى كلية العلوم في الجامعة اللبنانية، وجامعة «ال آي يو» ( LIU) لا سيما أن مسلخاً جديداً بمواصفات حديثة يقوم منذ سنوات عدة ولا يحتاج إلا إلى قرار بتشغيله من القوى السياسية التي تتقاسم النفوذ في قرارات الجنوب المحلية، والتي يفترض أنها متوافقة سياسياً؛ إلا إذا كانت القضية قضية نكايات، تتفوق بأهميتها على مصلحة الناس وتتجاوزها إلى خلاف ربما على الجهة التي تريد استلام مفاتيح المسلخ، سواء أكانت بلدية النبطية، أم اتحاد بلديات الشقيف».
تكثر العناوين التي تقع تحتها مشكلة عدم تشغيل مبنى المسلخ الجديد الذي افتتحه رئيس مجلس النواب نبيه بري في أيار سنة 2006، بعدما نفّذه مجلس الجنوب؛ تارة يتردد أن ثمة خلافاً بين بلدية النبطية واتحاد بلديات الشقيف على إدارته، وطوراً بسبب نواقص تقنية في المعدات والمختبر، فيما تتحدث أطراف عديدة معنية عن مشكلة الطريق إلى المسلخ، إذ إن الطريق المقررة سلفاً تعبر وسط بيوت وفيلات محلة كفرجوز، وهي طويلة؛ بينما يتحدث مصدر في بلدية النبطية عن شق طريق جديدة من بلدة الكفور التي تحد النبطية من جهتها الغربية، بمساعدة محافظ النبطية محمود المولى «وهي تحتاج إلى تعبيد، وخصوصاً بعد فحص موظفين في وزارة الأشغال العامة عينة من التراب لاختبار ما تحتاجه من جرف ورصّ ومن تعبيد في ما بعد».
خصص الاتحاد الأوروبي 86 ألف دولار للنواقص لكن بلدية النبطية هي من تسلمها
رئيس اتحاد بلديات الشقيف سميح حلال يقارب المشكلة في عدم تشغيل المسلخ الجديد من زاوية «الفوضى» فيقول: «نحن افتتحنا المسلخ منذ ثلاث سنوات. كان المسلخ أصلاً للنبطية وصار للمنطقة. طلبنا من القصابين أن يتفقوا ويتسلموا المسلخ، ونحن في الاتحاد نرعى قيام مجلس إدارة، بمشاركة القصابين وبلدية النبطية؛ لكي نستطيع تنظيم عمل هذا المسلخ. بعد الكشف على المسلخ تبين أن هناك نواقص، فقالوا: لا نقدر أن نتسلمه قبل تبديد هذه النواقص؛ وهي تكلّف ما بين 70 و80 مليون ليرة؛ قلنا: عال، يمكن أن نؤهله نحن، أو نطلب من الجهة التي نفذته أن تساعدنا على تأهيله، أو نبحث عن هبة أو قرض من دولة مانحة؛ فوصلنا إلى الاتحاد الأوروبي عبر «برنامج الأمم المتحدة الإنمائي» الذي سأل عن تكلفة المسلخ، فحسبنا أنه يحتاج نحو 80 مليون ليرة للتأهيل الداخلي ونحو 50 مليون ليرة لتأهيل الطريق إلى المسلخ».
ويضيف: «خصص الاتحاد الأوروبي مبلغ 86 ألف دولار أميركي؛ وإذ نكتشف أن الأموال أتت، وتسلمتها بلدية النبطية! كنت قد طلبت على مدى ثلاثة أشهر من القصابين تقديم لائحة بالتكلفة والنواقص وعلمت لاحقاً أنهم تقدموا بها إلى بلدية النبطية، كما عرفت أن البلدية أجرت استدراج عروض وقامت بالتصليح من دون علم الاتحاد. وبعد مدة نتلقى كتاباً من بلدية النبطية يطلبون من خلاله مبلغ 140 ألف دولار أميركي، من الاتحاد، من أجل تصليح طريق المسلخ؛ «يه؟» ولماذا تحتاج طريق بطول 300 متر إلى 140 ألف دولار؟ نحن قبلاً درسنا تكلفة الطريق ولم تصل إلى هذا الحد؛ والسؤال كيف وأين صُرفت المبالغ التي منحها الاتحاد الأوروبي؟ ومن صلح؟ لم نعرف. هل أُصلح فعلاً حتى نشغله؟ لا نعرف شيئاً».
مصدر في بلدية النبطية قال «إننا تلقينا هبة من «برنامج الأمم المتحدة الإنمائي» باسم بلدية النبطية لإعادة تأهيل المسلخ وتأمين بعض الشروط الفنية التي لم تكن محققة، وخصوصاً بعد معاينة الطبيب البيطري والقصابين، منها: البالانكو (الرافعة) والممرات». المبلغ نحو 80 ألف دولار. تم تأهيل المسلخ وصار جاهزاً عملياً لاستقبال المواشي وذبحها وسلخها وطلبنا إقامة من القصابين مناورة وتشغيل كل شيء».
ويضيف المصدر «العائق الوحيد اليوم هو الطريق، ساعدنا المحافظ حتى نؤمن الوصول إلى المسلخ من خلال طريق من بلدة الكفور، اشتغلنا على قطعة أرض، وأحدثنا ممراً فيها ووصلنا إلى المسلخ، لكن الطريق تحتاج إلى تعبيد، وجرى أخذ عينة من التراب ورئيس الاتحاد يتابع بعض التفاصيل مع وزارة الأشغال العامة».
ويؤكد المصدر أن «مشكلة التجهيز والتوظيف والإدارة تجاوزناها. هذا المسلخ ستستفيد منه مختلف قرى الجوار وقصابيها، إن همنا هو التشغيل، ولكن لأنه المسلخ يتبع لبلدية النبطية، ستقوم هي بإدارته المباشرة بالتعاون مع الاتحاد والمحافظة والقصابين».
ويعد المصدر بأن البلدية «ستفتتح غداً المسلخ، إذا أتى اليوم فمن يعبد الطريق؛ هي تبلغ كيلومتراً واحداً، لكنها تحتاج إلى بنية تحتية. لا يجوز بعد اليوم تأخير الموضوع تحت عنوان عدم الاتفاق على التشغيل أو بسبب خلاف سياسي».
يؤكد الطبيب البيطري يحيى بدر الدين «أن ثمة نواقص لم تزل قائمة في المسلخ الجديد؛ منها السكك التي يفترض أن تعلق عليها الأغنام والأبقار، وخصوصاً أن سكك الأغنام جعلت مرتفعة وسكك الأبقار ظلت منخفضة؛ فالسكك التي تعلق عليها العجول ليست بالمقاسات المطلوبة المعتمدة عالمياً. وكذلك الأقفاص (الممرات) التي تعبر من خلالها العجول تمهيداً لذبحها، فهي ليست معدّة بالشكل المطلوب».
ويلفت إلى أن العجول التي تذبح حالياً في الأسواق «هي من النوع البرازيلي الشرس، وتمثّل خطراً كبيراً على حياة العمال إذا لم تُحجز وتُضبط بإحكام. كما أن الرافعة الآلية التي يفترض أن يتحرك من خلالها العامل لسلخ العجل غير متوافرة، وهي ضرورية جداً؛ فضلاً عن بعض الأمور التقنية التي ستسبب حتماً مشاكل إن لم تُتدارك قبل التشغيل؛ قلت هذا الكلام سابقاً وأردده الآن».
وأستغرب الطبيب بدر الدين «الكلام الذي يتحدث عن تشغيل المسلخ في القريب العاجل، فيما هناك مجموعة من المشاكل التي لم تعالج حتى الآن، منها كبرى المشاكل، مشكلة الطريق الحالية، التي يعترض عليها أبناء محلة كفرجوز».


المسلخ القديم

أقيم المسلخ الأول لمدينة النبطية مطلع الخمسينيات في منزل بناه الراحل محمد حسن صباح عند الجهة الشرقية من التلة الملحقة بحي «الميدان»، التي صارت تعرف لاحقاً باسم حي «التعمير» نسبة إلى منازل التعمير التي بنيت في أعقاب الزلزال الذي ضرب لبنان سنة 1956. بعدها نقل إلى شرقي الحي، في بناء مستقل شيد في منطقة غير مأهولة. ثم بدأت رقعة البناء تتوسع في المدينة والحي ثم باتجاه المسلخ، حتى غطت محيطه من جهتيه الغربية والشمالية.
عاش جيران مسلخ النبطية ردحاً في انتظار التخلص من المبنى الذي حملوا اسمه، مثلما حملوا القلق المستمر على مختلف المستويات الصحية والبيئية والاجتماعية، وهم يحلمون باللحظة التي تحمل لهم بشارة انتقاله من حيّهم إلى بديل حديث، بعيداً عن الأماكن السكنية وإلى خارج الحي الذي لم يعد، في امتداده الجغرافي والديموغرافي، مثل أيام بناء المسلخ، من نحو نصف قرن أو أكثر. المبنى القديم في تهاو وتضعضع مستمرين، يجعل الغاية التي أنشئ من أجلها، تفقد مضمونها وأطر السلامة العامة.