زيارة قصيرة لنقطة الأمن العام عند الحدود اللبنانية ـــــ السورية في المصنع، تكفي لسماع عشرات الشكاوى من المسافرين. يتحدثون عن ضيق المكان وعن تقصير الدولة، ويقارنون معاناتهم على نقاط الحدود بين الدول العربية ويقترحون حلولاً
المصنع ـــ أسامة القادري
يتكاثر تدفق السيّاح إلى لبنان عبر الحدود اللبنانية ـــــ السورية في منطقة المصنع (جديدة يابوس) في فصل الصيف. وازدادت هذا العام زحمة طوابير العابرين عبر هذه النقطة الحدودية الأساسية، فبلغ عدد العابرين عبر هذه النقطة الحدودية بحسب إحصاءات المديرية العامة للأمن العام اللبناني نحو 35 ألف عربي ولبناني وأجنبي يومياً من الداخلين إلى لبنان أو مغادريه. يضع ذلك معبر جديدة يابوس في المرتبة الثانية بعد مطار بيروت الدولي لحركة المسافرين من لبنان وإليه. لكن الزحمة على معبر المصنع لا تشبه الزحمة في المطار، إذ إن مبنى الأمن العام في المصنع شُيّد في منتصف الخمسينيات، ليستوعب حينها 3 آلاف عابر بين خارج وقادم، في حدّ أقصى. بينما أُعيد بناء مبنى المطار بحسب المواصفات الدولية الحديثة.
بعد مرور أكثر من نصف قرن على تشييد منشآت الأمن العام والجمارك في المنطقة الحدودية، ظل كلّ شيء على حاله، ولم تطرأ أي تغييرات. فرغم الوعود المتكرّرة لم تضف «كونتوارات» التدقيق بالأوراق الثبوتية ومنح التأشيرات. وباحة المبنى لا تزيد مساحتها على 60 متراً مربعاً، وهي ملاصقة للحرم الجمركي. ويُعَدّ ضيق هذه المساحة من الأسباب الأساسية لازدحام السيارات وحافلات نقل الركاب الآتين إلى لبنان من سوريا أو عبرها.
يطرح المسافرون عبر نقطة المصنع الحدودية جملة تساؤلات عن أسباب الانتظار الطويل وتأخير إنجاز المعاملات ووسم تأشيرات الدخول. فطوابير المنتظرين عند «شبّاك» موظف الأمن العام تمتدّ أحياناً لعشرات الأمتار. وجيه مواطن لبناني آتٍ من سوريا بسيارته الخاصة، يبدو عليه التعب والإرهاق، يشكو الانتظار الطويل أمام كونتوار لوسم تأشيرات الدخول الخاصة به وبعائلته، يقول: «انتظرت نصف ساعة حتى حلّ دوري وختم الموظف القسائم، ثم مكثت نصف ساعة أخرى في السيارة حتى استطعت الإفلات من زحمة السيارات الخانقة في هذه المنطقة». ثم يردف مبتسماً ليقول: «مش بس الحدود اللبنانية زحمة، كمان الحدود السورية! الله يعين الناس». إذ يبدو أن الآتين إلى لبنان عبر جديدة يابوس قد قضوا وقتاً طويلاً على نقطة العبور من الجهة السورية حيث تشهد كونتوارات الأمن العام السوري زحمة مماثلة.
حسين عزام وأفراد عائلته جاؤوا من الأردن للسياحة في لبنان. يتحدث حسين عن التمايز بين الحدود اللبنانية والسورية والأردنية قائلاً: «عند الحدود الأردنية يتمتع مبنى الأمن العام بمواصفات دولية، فباحته واسعة، وتُنجز فيه المعاملات بسرعة». أحمد الجاسم سعودي وصل إلى لبنان عبر الحدود السورية اللبنانية، تحدث بكثير من الامتعاض والاعتراض عن طريقة إنجاز معاملات الأمن العام والجمارك لدخول الأراضي اللبنانية. قال: «ما لازم تكون الحدود اللبنانية هيك، بهدلة وانتظار... نأتي إلى لبنان كل عام، ونمر عبر هذه الحدود، يعدوننا بتحسن الأمور العام المقبل، لكن لا شيء يتغير».
محمود عطية سائق سيارة أجرة يعمل بين لبنان والأردن، يلفت إلى تأخر إنجاز معاملات العابرين ومرورهم عبر نقطة المصنع الحدودية، وقلة عدد موظفي الأمن العام.
ولا يقتصر التعبير عن الاستياء على عابري الحدود. فموظفو الأمن العام يتذمرون ويشكون سوء ظروف العمل. يقول أحدهم: «يعدّوننا دائماً مسؤولين عن الزحمة. هذا الكلام غير صحيح. العابر ينتظر لنصف ساعة تقريباً، ويشعر بأنه سيختنق من الروائح ومن التدفيش، أما نحن فنقعد هنا ساعات وسط زحمة خانقة وما بيطلع صوتنا».


من تنتظر الخرائط؟

أشار مسؤول في الأمن العام اللبناني إلى أن سبب تأخير إنجاز المعاملات يعود إلى تقاعس الدولة عن تطوير المبنى ومكننة آلية عمله، ليُصار إلى إنجاز أي معاملة بالسرعة المطلوبة. فالكومبيوترات المخصصة لمراجعة سجلات المسافرين بطيئة وقديمة العهد. يضيف المسؤول: «نطمح إلى إنجاز المعاملة ووسم جواز السفر عند حاجز العبور»، وذكّر بأنه وُضعت دراسة وخرائط «إنشاء مبنى جديد يستوعب العدد المتزايد من العابرين». ويلفت المسؤول إلى أن ازدياد العابرين يؤدي إلى ارتفاع الإيرادات التي تغذي بها نقطة المصنع خزينة الدولة، وبالتالي يفترض أن تكون الأموال متوافرة لحلّ المشكلة. ويتساءل المسؤول: «هل يعقل أن يكون المطار ذا مواصفات دولية والحدود البرية تبقى على حالها؟».