هم شباب تخرجوا وما زالوا ينتظرون فرصة العمل. حاولوا كثيراً، لم يتركوا طلب عمل في مكان ما إلا وملأوه، ولكن دون جدوى. في ظل البطالة المستشرية، وفوضى التوظيف، حزموا أمتعتهم وانطلقوا في البحث عن وطن بديل يؤمن لوافديه حياة لائقة وفرصة عمل عجز وطنهم الأم عن تأمينهما
مايا ياغي
هو قرار صعب بالنسبة إلى الكثيرين من الشباب، ولكنه قرار لا بد منه أحياناً بعد أن تنقطع بهم السبل.
أحمد مراد، وهو متخرج هندسة اتصالات، يقول: «إن الدوافع الرئيسية للهجرة تبدأ من الوضع السياسي اللبناني الصعب فلبنان كلعبة «البازيل» يصعب جمعه وتركيبه وحتى بعد تركيبه ممكن أن ينهار في أي لحظة وتتناثر أجزاؤه يميناً ويساراً». أما أماني فحص فتعتبر أن سوق العمل في لبنان لا توفر فرص العمل لجميع الاختصاصات، التي ندرسها في الجامعة، وبالتالي فإن عدم التنسيق بين الجامعات وسوق العمل هو سبب لهجرة الكثير من البارزين في مجالات معينة.
والمشكلة ليست في قلة التنسيق بين الجامعات ومجالات العمل فحسب، بل إنها تتجاوز ذلك لاعتبارات أخرى من ضمنها مفهوم «الواسطة» اللبناني بامتياز، فالمشكلة الأساسية تكمن «في أن الإنسان المناسب ليس في المكان المناسب. فانتشار المحسوبيات والرشى والفساد تجعل من لا يكون قديراً على منصب ما أهلاً له. أما من يكون قد أنهى دراسته الجامعية فيكون تحت رحمة ذاك الذي لا يعرف عن منصبه سوى القشور»، كما يقول هادي فحص، الطالب في كلية الإعلام.
ورغم أن الإحصاءات والدراسات تقلّ إلى حدّ الندرة عن هذا الموضوع، ما يبرز قلة اهتمام المختصين بدور الشباب في المجتمع، إلا أن دراسة قام بها طلاب الجامعة اليسوعية السنة الماضية أظهرت أن نسبة الشباب المقيمين في لبنان ما بين عمر 18 و35 سنة تقارب 30.6 في المئة من المقيمين، أما نسبة القوى العاملة منهم فهي 46.5% من إجمالي اللبنانيين العاملين والبالغة نسبتهم 38%. أما بالنسبة إلى العاطلين من العمل، فقد أظهرت الدراسة أن نسبتهم تصل إلى 8% عند الأفراد الذين تراوح أعمارهم بين 15 و64 سنة، فيما ترتفع هذه النسبة عند الشباب لتصل إلى 13.8%، بينما تفوق نسبة بطالة النساء الشابات التي تساوي 18% عن نسبة بطالة الشباب الرجال البالغة 11.6%.
تلك البطالة هي التي دفعت بالمغترب أحمد محمد، إلى الاتجاه نحو دبي منذ سنوات عدة، فالراتب الذي يتقاضاه هناك يبلغ أضعاف راتبه في لبنان كما يؤكد، مضيفاً أن «العامل في لبنان مهدور الحقوق فلا يعرف متى يبقى ومتى يسرح من عمله، وخصوصاً في المؤسسات الخاصة، وما أكثرها». أما غادة زين الدين فتعتقد أن السبب الرئيسي في هجرة الأدمغة الشبابية اللبنانية هو أن «قدراتهم العلمية لا تقدّر في لبنان ولا مجال لتنمية أو تطوير أي من البحوث العلمية التي يقومون بها، ففي الجامعة ذاتها لا تجد تواصلاً بين أفكار البحوث السابقة والحالية ومواضيعها، بل تجد التكرار والتقليد يقضيان على مناهجنا البحثية» كما تقول، بينما يشير محمد هاشم إلى «المحسوبيات التي تهمّش الطبقة المثقفة والمتعلمة لتضع مكانهم من لا مؤهلات له سوى قرابته لفلان وعلتان».
ورغم أن ما أثاره الشباب يتعلق بفرص العمل الخاصة بالمتعلمين، إلا أن مسألة الهجرة مسألة بارزة لا تطال المتعلمين فقط بل تستحوذ على طبقة الشباب، حتى غير المتعلمين منهم، الذين تترتب عليهم مسؤوليات أسرية مادية لا تكفي فرص العمل المتاحة لهم بتأمينها.
من ناحية أخرى، تظل الهجرة بعيدة عن كونها الحل الأمثل و«أرض الأحلام الموعودة»، وخصوصاً بعدما أتخمت البلدان التي يقصدها المهاجرون بالوافدين، فهناك أيضاً، لا تكون الحياة وردية لهؤلاء، والغربة صعبة إلا أنها الحل الوحيد أحياناً، و«قالّه شو دفعك للمر؟ قالّه الأمرّ منه».


الإحصائيات وفق اليسوعية

تلفت دراسة الجامعة اليسوعية، التي صدرت العام الماضي، إلى أن نسبة الراغبين في الهجرة هي 26%.
أما في ما يخص المشاريع المستقبلية للشباب اللبناني، فتظهر الدراسة أن 30% منهم ينوون القيام بهجرة مؤقتة بينما يرغب 7% منهم بالهجرة الدائمة.
أما في ما يتعلق بالهجرة منذ سنة 1992 فتظهر الدراسة أن 45% من الأسر اللبنانية لها على الأقل شخص واحد هاجر من لبنان بين عام 1992 و2007، وقد قدر عدد الذين هاجروا في هذه الفترة بـ466 ألفاً على الأقل، 17.5% منهم من فئة الشباب.
كما أن 35 بالمئة من المهاجرين في هذه الفترة يقيمون في البلاد العربية، ونحو 23% منهم هم في أوروبا و22% في أميركا الشمالية و9% في أوستراليا و8% في أفريقيا.