أحمد محسنأمس، وأنا أعد القهوة، تذكرتك يا صديقي. الشاشة الإلكترونية آلة لا تنقل سخطنا كما يجب. وحدها رئتانا، المشبعتان بالنيكوتين، تستطيعان إطلاق الصراخ. وأنا هنا، في وطن مثقوب، لا تهرب منه الأغنيات. تثقل الأذنين بأنين الشوارع. وطن تتناقله أرجل السياسيين، وتغلّفه المفرقعات ونيران الأسلحة التي لا أفهم من أين تأتي. أنا نفسي لا أسمع صوتي في هذا الضجيج. عمري خمسة وعشرون عاماً فقط، وهو عمر لا يسمح لي بأن أكون وحيداً هكذا.
ربما، أسمع صوت الطائرات الحربية المعادية. يستغرب كثيرون أنني أحبه، على قرفه. وأخالني، لاقتراب بيتي من المطار، سمعت صوت الطائرة التي أقلتك، خلسةً، إلى بروكسل. وأنا أعد القهوة، راحت الذكريات تنهش عظامي. أمس تزوّج إبراهيم، وصار له طفل. أمس سافر بشير، وخليل، وعلي، وجواد، وجورج، ونانسي، ونادر، وآخرهم أنت يا صديقي اللئيم. أمس القريب، مات صديق بالسرطان. سكبت القهوة في فمي، وشعرت بلسعتها.
لن نقتل الوقت على ناصية الطريق يا علي، الشبّان الألمان مثلك، لا يرتادون الشوارع مثلنا. وأنت يا جورج، اختفيت فجأة، حتى عن الإنترنت، رغم سرعة الشبكة في دبي. كرهتني في الغربة يا رجل. لا يمكنني أن أحب 14 آذار، يجب أن تفهم ذلك. نانسي، كبرنا معاً، ولولا «الفايس بوك» لما لحظت ضفائرك الجديدة. أما حمزة، فيسعني أن أذكرك بأشياء كثيرة غير القهوة. لقد تشاركنا كل شيء تقريباً. سرقنا حبوب الهلوسة، وتعاطينا الكثير منها. كنا نهرع بسجائرنا السيئة في شارع الحمرا. كنا ندخّن كالقطارات. في النهاية، أنت مثلهم، ذبلت. كرهت نفسك. لا ألومك على الرحيل، سمعت أنهم يصادرون الهواء، ويفرضون ضريبة على المشي. أنت أكثر من يعلم، ماذا فعلت بشهادة الدراسات المالية التي نلتها. لففت بها عرنوساً وقضمته بنهم، نكايةً بوزير المالية. لكن، إياك أن تعتبر أني سامحتك على زحفك إلى أوروبا. أنا لم أسامح أحداً منكم، أعترف بلؤمي. ربما أصبحت ذئباً بالفعل، ربما، وإلا لماذا أنا الوحيد بينكم الذي لم يغادر؟
في كل الحالات تعرفون رأيي جيداً. أفضّل بيروت على العالم. أنا منحاز لها فطرياً. لا أستطيع الخروج من جدرانها، ومن شتم سياسييها. لكن، وإن كان هذا ما تريدون، فأنا أعترف بهزيمتي. سرقتم معالمها، وعبثتم بعيني الصغيرتين.
وأنا أعد القهوة، شعرت أنني غريب في منزلي، في غرفة نومي. عمتم مساءً أيها اللعناء.