قطع شبّان الطريق في بلدة مجدل عنجر فجر أمس، وأضرموا النار احتجاجاً على دهم الجيش بعض المنازل لتوقيف مشتبه فيهم بضرب رئيس دائرة البقاع في الأمن العام الرائد وديع خاطر. يقول الأهالي إنهم يحترمون القانون ... لكن ليس استنسابياً
البقاع ـــ عفيف دياب
لا يسمع زائر بلدة مجدل عنجر في هذه الأيام موقفاً واحداً يعبّر عن رفض الأهالي تطبيق القوانين وحماية السلم والأمن المحليين. فالبلدة من بابها إلى محرابها تعيش هواجس القلاقل الأمنية التي تصيبها بين الحين والآخر، فلا أحد في المجدل يستطيع اليوم تقديم أجوبة تكشف سر العلاقة الملتبسة مع الأجهزة الأمنية اللبنانية منذ الانسحاب السوري من البلاد في ربيع عام 2005. العقل الأمني اللبناني الرسمي الذي يتعامل، كرّاً وفراً، مع البلدة لم يستطع أيضاً تشكيل أو تكوين صورة واضحة أيضاً عن سر هذا الالتباس الذي يتطوّر يومياً، ويأخذ أبعاداً سياسية، وحتى أحياناً مذهبية تنذر بعواقب وخيمة.
توقف الأجهزة الأمنية ما يسمّى مطلوبين لها من مجدل عنجر ومن ثم تطلق سراحهم. إن إعطاء جواب رسمي عن هذا السر المعقّد جداً، يريح أهالي مجدل عنجر. ويقول أحد الأمنيين في البقاع الأوسط لـ«الأخبار» إن الأجهزة الأمنية أوقفت إثر الاعتداء الذي تعرّض له رئيس مركز الأمن العام في المصنع، الرائد وديع خاطر، يوم الاثنين الماضي مجموعة كبيرة من شبان مجدل عنجر، و«أطلق سراحهم لاحقاً بعد إجراء التحقيقات اللازمة معهم». ويضيف إن العلاقة بين الدولة ومجدل عنجر «على أحسن ما يرام، فوجود بعض المخلّين بالأمن لا يسيئ إلى العلاقة الودية التي تربطنا بالأهالي كما في بقية المناطق البقاعية. فنحن نقوم بواجبنا الذي يلزمنا بالحفاظ على الأمن والنظام العام، وعلى الجميع أن يعلم أن تهديد السلم الأهلي المحلي خط أحمر لن نسمح لأحد بتجازوه».
وجود بعض المخلّين بالأمن لا يسيئ إلى العلاقة الودية التي تربط الدولة بالأهالي
ويتابع قائلاً: «ليس صحيحاً أن الأجهزة الأمنية تكيل بمكيالين في مجدل عنجر أو غيرها من البلدات، وعملنا الأمني يتحدث عنا ولا شيء مخفيّاً أو مستوراً، أو أننا ننتقم من مجدل أو غيرها من بلدات المنطقة. فالأجهزة الأمنية المختلفة لا تعمل وفق مبدأ أبناء الست والجارية. هناك بعض المطلوبين من أبناء مجدل عنجر، وقد جرى تعاون بيننا وبين الأهالي في أكثر من محطة أمنية هدف إلى تكريس مبدأ الحفظ على الأمن العام، وقد لقينا كل تجاوب من الأهالي الذين يتفهّمون طبيعة عملنا، ونحن نتفهم بعض اعتراضاتهم التي هي في جانب منها محقّة، وفي جانب آخر نعدّها تجنّياً علينا». وينفي المسؤول الأمني صحة ما يقال في مجدل عنجر عن أن الأجهزة الأمنية هي التي تقف وراء «تضخيم الفلتان الأمني إعلامياً».
ومجدل عنجر، البلدة ـــــ المدينة، التي تعدّ بوابة لبنان نحو الشرق العربي، ويعتاش أهلها من الزراعة والتجارة بأنواعها، كانت علاقاتها بالدولة اللبنانية وأجهزتها الأمنية «إيجابية طوال فترة الحرب الأهلية حتى عام 2004، يوم قتل إسماعيل الخطيب تحت التعذيب خلال توقيفه الأجهزة الأمنية اللبنانية له بتهم تبيّن لاحقاً أنها غير صحيحة» يقول رئيس نادي الحدود الثقافي ـــــ الرياضي في البلدة نضال خالد، الذي يقدّم دليلاً واضحاً على إيجابية العلاقة بين بلدته والدولة طوال الحقبة المذكورة. ويوضح خالد أن منطقة المصنع الحدودية «هي المرفأ الشرعي الوحيد في لبنان، الذي بقي تحت سيطرة الدولة خلال الحرب الأهلية، ومثّل أبناء مجدل عنجر مصدر حماية لما بقي من أجهزة الدولة خلال الحرب، وبقيت العلاقة بين الطرفين جد إيجابية حتى مقتل ابن البلدة إسماعيل الخطيب، ما عُدّ حينها ظلماً وعدواناً على البلدة أساء إلى العلاقة التي بدأت تأخذ جوانب سلبية لا أحد في المجدل يريدها أو يسعى إليها». ويتابع خالد «كل أهالي مجدل عنجر تحت سقف القانون، ولا أحد هنا يريد سوى سلطة القانون والعدل، وعلى الدولة أن تطبّق قوانينها بعدل وبعيداً عن الاستنسابية والانتقائية، لأن بعضنا هنا بدأ يشعر بالظلم، وعلى الأجهزة الأمنية أن لا تضخّم الأمور، وإلا فما هو سر توقيف بعض الأشخاص، ومن ثم إطلاق سراحهم لاحقاً. إذا كانوا مطلوبين ومخالفين للقوانين فلماذا يطلق سراحهم؟ وعلى الدولة أن تقدّم إلى الأهالي أجوبة عن هذا السر الذي يقلق الأهالي». آملاً أن لا تتعامل الدولة مع مجدل عنجر بـ«عقلية مخبر صغير له حسابات لا تخدم منطق الحفاظ على الأمن والاستقرار»، نافياً بشدة أن تكون هناك سلطة في منطقة المصنع بديلة عن سلطة الدولة وأجهزتها و«السلطة الأقوى التي يبدو أنها تفجّر العلاقة الودية هي سلطة الرشى التي تسيطر على عقل البعض، وتفكيره المسيئ إلى النظام العام من كلا الطرفين». ويختم خالد بأن «الكيل بمكيالين لا يجوز أن يستمر، فعلى الدولة أن توقف الشخص المطلوب لا أن تعتقل العشرات عشوائياً، ما يشعر أهالي المجدل بالغبن وبأن الدولة ضدهم». كلام خالد هذا يثير الاستغراب، ويقدم قراءة أهلية عمّا يجري في البلدة الأكثر حراكاً، سياسياً واجتماعياً، في البقاع الأوسط.


تحت القانون

يقول رئيس بلدية مجدل عنجر حسن ديب صالح إن بلدته: «تحت سقف القانون. ففي كل بلدة ومنطقة تحصل إشكالات فردية لا يمكنها أن تهدّد السلم الأهلي أو أن تضع العلاقة بين الأهالي والسلطات الأمنية في دائرة الخطر أو سوء التفاهم». ويتابع «ما جرى أخيراً هو إشكال فردي بين شخص من البلدة وأحد الضباط الأمنيين، وهو ليس إشكالاً بين البلدة والدولة أو أجهزتها الأمنية، فالمسألة فردية، ويجب أن تبقى في إطارها، وأن يطبّق القانون على الجميع، ونحن في مجدل مع تطبيق القوانين بحذافيرها». ويختم «في مجدل عنجر أكثر من 20 ألف نسمة، ولا يجوز أن يتهم كل أهالي البلدة إذا أخلّ شخص ما بالقانون أو أساء إلى هيبة الدولة. ولا يجوز تضخيم الأمور، الذي لا يخدم الاستقرار العام، الذي تنعم به بلدتنا ومنطقتنا».


قندهار لبنان؟

تتهم مجدل عنجر بين الحين والآخر بأنها تمثّل معقلاً للإسلاميين الأصوليين المتشددين، ووصل الأمر ببعض وسائل الإعلام إلى إطلاق اسم قندهار على البلدة تيمّناً بالمدينة الأفغانية. ويقول أحد رجال الدين في مجدل عنجر إن أبناء البلدة ملتزمون دينياً و«لا يعرفون التطرف أبداً، وما يشاع من أن السلفيين أو البن لادنيين يسيطرون على مجدل عنجر فلا أساس له من الصحة، والأجهزة الأمنية تعرف ذلك جيداً. وللأسف بعد أحداث 7 أيار عام 2008 اتهمتنا بعض وسائل الإعلام بأننا معقل لتنظيم القاعدة، وتجاهلت عمداً أن ما جرى من قطع للطرق إثر الأحداث المذكورة لم يكن إلا ردّ فعل على فعل شنيع. أما تضخيم الفلتان الأمني في بلدتنا، فهو مرتبط بما نجم عن أحداث 7 أيار، وعلى الدولة أن لا تنظر بعين واحدة».