مطلع أيار من العام الجاري، أعلن مجلس الإنماء والإعمار تلزيم تأهيل طريق منجز ــ العبودية، وهو مشروع قديم معلّق. الطريق الشديد الحيوية للقرى التي ستمر فيه، يمر بين البلدات المحاذية للنهر الكبير الجنوبي على الحدود السورية ــ اللبنانية. لكن الأهالي هناك يخشون من عدم تنفيذ المشروع أسوة بما جرى في ستينيات القرن الماضي، حيث لا تزال بقايا الجسور المشيدة هناك أنصاباً لمشاريع لم تكتمل
عكار ــ روبير عبد الله
يروي محمود أحمد ابراهيم حكاية الجسر المتهدم تحت قريته الفريديس. فقد كان الرجل العجوز في عزّ شبابه حين جاءت الجرافات والشاحنات لنقل الحجارة إلى موقع البناء، وقد «اشتغلت بالفاعل( عتال) في تلك الأيام مع الشركة المتعهدة التي تسلمها آنذاك مهندسون من آل المر، لكن الشغل كان فيه الكثير من الغش، فاكتفوا برصف الحجارة دون صب الاسمنت بينها، ومع قدوم المطر انهارت الجدران وتوقف العمل في الجسر».
كان ذلك في ستينيات القرن الماضي. أما اليوم فيتنفس أهالي المنطقة الصعداء لمشاهدة الفرق الفنية تستطلع الموقع، حيث علموا أنّ ثمة مشروعاً لفتح طريق يربط بين معبر جسر قمار في وادي خالد ومعبر العبودية في سهل عكار. وبنتيجة المشروع سوف يعاد تأهيل الطريق بين منجز ووادي خالد من جهة، وسيعاد العمل، من جهة ثانية، بمشروع سبق أن بدأت الدولة اللبنانية بقسم منه ويتمثل بفتح طريق جديد بين منجز والعبودية.
وتنتشر بين معبري جسر قمار والعبودية قرى وبلدات عدة، من بينها كفرنون والعوينات ورماح والفريديس والدبابية. وعلى الرغم من مئات الأمتار التي تفصل بين تلك القرى، يضطر أبناؤها للسير كيلومترات عدة عبر الطريق الرئيسي الممتد بين الكواشرة ومفرق بلدة شدرا. لكن هذا الطريق لم يعد صالحاً للسير عليه بسبب كثرة الحفر المنتشرة في المكان، فيما ضاق المواطنون ذرعاً من مراجعة المسؤولين من أجل إعادة تأهيله بالحد الأدنى من المواصفات المقبولة.
هناك متضرّرون من تحويل الطريق باتجاهنا لاختلاف لوننا السياسي
وفي انتظار فضّ العروض وتعيين المتعهدين لتلزيم المشروع، فوجئ الأهالي بما اعتبره النائب العكاري معين المرعبي في مقابلة أجرتها معه مجلة «ليبان تلكوم»: «فضيحة طريق منجز ـــــ العبودية». واستغرب المرعبي في حديثه إلى المجلة، الذي نقلته جردة التمدن الأسبوعية كيف تدرس الاستملاكات لتلزيم هذا الطريق بقيمة 18 مليون دولار، بينما لا يتوقع أن تمر عليه أكثر من 20 سيارة يومياً حداً أقصى. وقال: «توجد طرقات ملحّة وعاجلة لم تدرس أو تستملك، ما يدفع إلى السؤال: من وراء هذا المشروع؟ ولماذا كل هذا الهدر؟». ودعا المرعبي إلى وقف هذا المشروع «كونه هدراً لأموال الدولة التي يمكن استخدامها لشق وفتح أو تعبيد أو صيانة الطرق الحيوية الرئيسية لا الثانوية في عكار(...) فليكملوا تنفيذ مشروع توسيع وتجهيز طريق العيون ـــــ عكار العتيقة ـــــ القموعة الذي يستفيد منه الآلاف من المواطنين العكاريين، ولينظروا إلى طريق بيت أيوب ـــــ مشمش ـــــ فنيدق ـــــ القموعة، حيث لا تستطيع السيارات أن تمر، فكيف بالشاحنات؟ وإلى طريق شان والحويش ووادي خالد وغيرها».
لكن مختار بلدة رماح حسيب عبد الله يرى أن طريق منجز ـــــ العبودية حيوي جداً وإلا «لماذا بدأ العمل به منذ ستينيات القرن الماضي، والجسور المهدمة في أودية دنكة والفريديس ومنجز تشهد على ذلك، ثم إنّ الاستملاكات حصلت منذ ذلك الحين، فأين الهدر في ذلك؟». أما بالنسبة إلى السيارات فيعلق: «أشتهي كمختار رماح منذ 11 سنة أن أرى سيارة أجرة على الطريق، بينما يتكبد أهالي القرية مشقة كبيرة لإرسال أولادهم إلى المدارس، ثم إنّ المريض يصل إلى المستشفى بصعوبة بالغة، كذلك فإنّ العسكري يضطر إلى المشي ساعة كاملة على الأقدام ليوفق بسيارة تنقله إلى مركز عمله». ويؤكد عبد الله أنّه «يستقيل من المجلس الاختياري إذا سمع مواطناً يقول غير هذا الكلام».
وفي بلدة الدبابية الملاصقة لقرية النورى، يقف المختار سليم عبود مشيراً بيده إلى بلدة العزير في سوريا الواقعة على مسافة قريبة من مجرى النهر الكبير، وكذلك إلى قرية الفريديس المتاخمة لخراج بلدته. هناك في الوادي الذي لا يبعد أكثر من مئات الأمتار عن الدبابية بقايا جسر ضخم تهدم منذ زمن بعيد. لكن لبلوغه ينبغي الالتفاف قرابة عشرة كيلومترات عبر الكواشرة باتجاه منجز، ومن ثم إلى الفريديس. يتحسر المختار عبود لغياب قسم كبير من أهل بلدته فيقول: «غادر كثيرون البلدة للسكن في جبيل وحلبا، ولو كان لدينا طريق مقبول لكان بالإمكان فتح محال تجارية، لكن لم يبق في البلدة إلا المتقاعدون بسبب قلة مجالات العمل».
أما مختار قرية الفريديس، عثمان ابراهيم، الذي كان يتفقد ورشة بناء لأحد أبنائه بالقرب من الطريق المزمع تأهيله، فيقول: «على الأقل هنا يكون المنزل قريباً بعض الشيء من الطريق العام».
أبعد من ذلك، يذهب جميل مراد من قرية منجز، ليؤكد أن «المناطق الحدودية من العبودية حتى وادي خالد مهمّشة بالكامل»، وأن «هناك متضررين من تحويل الطريق باتجاه قرانا، ربما لأنهم لا يستفيدون من أصواتنا كوننا لسنا من لونهم السياسي، ويصرّون على حصر المرور باتجاه معبر جسر قمار عبر بلدتي البيرة والقبيات، وصولاً إلى وادي خالد على الرغم من الصعوبات الطبيعية في ذلك الطريق». ويرى «أنّ المشروع لم ينجز بسبب غياب المتابعات السياسية، فهؤلاء يهتمون فقط بأصواتنا في الانتخابات، لذلك فقد جاء مشروع طريق منجز ـــــ العبودية في إطار اتفاق بين دولتين (لبنان وسوريا)، على أثر فتح معبر جسر قمار». ويضيف مراد «صحيح أن النواب السابقين كانوا يتحفوننا بالحديث عن الإنماء المتوازن، لكننا لم نكن نسمع منهم أن منجز أو كفرنون أو الدبابية وغيرها من القرى الحدودية تحول دون الإنماء المتوازن، إذا شقّ لها طريق». أما حين يقال له إنه قد يكون متشائماً، فيجيب ساخراً «قلّو ليش عم تنفخ عاللبن؟ قلّو حرقني لما كان حليب».