نجح أهالي قرية عين عرب (قضاء راشيا)، القريبة من الحدود مع سوريا، في منع وزير المال في حكومة تصريف الأعمال محمد شطح ومن معه، من التنقيب داخل مقام الخضر في القرية بحثاً عن كنز أو ذهب ما داخل حرم المقام المقدس عند المسلمين والمسيحيين، تتواتر أخبار وأقاويل قديمة على القول إنه مدفون هنا. المقام أصبح منذ «غزوة» أمس تحت حراسة أمنية رسمية مشددة
البقاع ــ عفيف دياب
لم يصدق بعد أهالي قرية عين عرب أن وزير المال محمد شطح ومجموعة من الشخصيات المجهولة التي كانت ترافقه مع حراسة أمنية، قد زاروا قريتهم النائية. فالأهالي الذين يتجمّعون كعادتهم في ساحة القرية، أو كما يسمونها «ساحة الجامع»، قبيل غروب الشمس وموعد الإفطار، فوجئوا، أول من أمس، بموكب كبير من السيارات الفخمة يصل إلى قريتهم، فاعتقدوا للوهلة الأولى أن شخصية ما تريد دخول المسجد لتأدية صلاة المغرب أو تفقّد أحوالهم. لكن سرعان ما خاب ظنّهم حين اكتشفوا أن هذه الشخصية هي وزير المال في حكومة تصريف الأعمال محمد شطح الذي لا يريد الصلاة في المسجد، بل دخول مقام الخضر القريب من المسجد بحثاً عن الذهب أو نفائس أخرى مدفونة داخل حرم المقام. وتقول شاهدة عيان، وعضو المجلس البلدي في عين عرب ميرنا عبد النور، إنه «بعد ظهر أمس (أول من أمس) كنا نجلس مجموعة من الأشخاص أمام الدكان في الساحة، وفجأة صرنا نشاهد سيارات فخمة تدخل القرية ترافقها قوة أمنية من قوى الأمن الداخلي، حيث علمنا بعد لحظات أن وزير المال محمد شطح ومعه مجموعة من الشخصيات التي لم نعرفها، يتوجهون إلى مقام الخضر، حيث دخل الوزير ومن معه المقام وبدأوا بالحفر والتنقيب بواسطة معدات يدوية كانت معهم. وعلى الفور تجمهر الأهالي الذين اعترضوا على أعمال الحفر وتدنيس المقام، فحصل هرج مرج، وتدخلت القوى الأمنية لمنع الأهالي من الاقتراب من المقام». وعن أسباب التنقيب بإشراف الوزير شطح شخصياً قالت عبد النور: «يقال في البلدة إن داخل المقام مغارة مليئة بالذهب، ونحن منذ الصغر نسمع معلومات كهذه وروايات دينية وغير دينية». وتضيف «نحن كبلدية لم نكن نعلم مسبقاً بهذا الأمر، ولم نتبلّغ من أي جهة قراراً رسمياً بعملية التنقيب داخل مقام الخضر».
كلام عبد النور يؤكده رئيس البلدية جوزف العسيس ويقول: «لم نكن نعلم مسبقاً بخطوة الوزير محمد شطح. وأنا تحدثت معه شخصياً وأبلغني أن هناك شيئاً مدفوناً في المقام، ويجب أن نستخرجه». يضيف: «لم يفصح لي الوزير شطح عن الشيء المدفون داخل المقام، لكنّه قال لي إن الدولة ستعطي 15% لعين عرب والباقي سيكون لها»، ويختم: «بعد حفر استمر حوالى ساعتين، غادر الوزير شطح ومن معه، ودخلت قوة أمنية وفرضت حراسة مشددة على المقام مانعة الأهالي من الدخول».
البحث عن الذهب داخل مقام الخضر في قرية عين عرب، بإشراف وزير المال شخصياً، أثار موجة من البلبلة داخل القرية وعند المرجعيات الدينية الإسلامية التي أجرت اتصالات سياسية على أعلى المستويات، ولا سيما مع رئيس حكومة تصريف الأعمال فؤاد السنيورة. ويقول إمام البلدة الشيخ قاسم حسين، في دردشة مع «الأخبار»، إنه كان أول من أمس في أزهر البقاع في منطقة مجدل عنجر، حين اتصل به الأهالي و«أبلغوني أن وزير المال محمد شطح ومعه مجموعة من المرافقين والشخصيات دخلوا عنوة المقام وبدأوا بالحفر، وأن الوزير أبلغ الأهالي المعترضين أنه هنا بأمر من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة، وأن دار الفتوى الإسلامية تعلم بالأمر». يضيف الشيخ حسين: «على الفور، أبلغت سماحة المفتي خليل الميس بالأمر، وهو كان على مقربة مني، حيث نفى علمه بذلك، وطلب مني إبلاغ الأهالي وجوب طرد الأشخاص من داخل المقام فوراً». ويتابع: «أجرى المفتي اتصالاً برئيس الحكومة وأبلغه الأمر. وصراحة، لا أعلم ما إذا كان الرئيس السنيورة على علم بالأمر أو لا، لكن بعد الاتصالات التي أجراها المفتي، غادر الوزير شطح والشخصيات التي معه بعد وصول قوة من الجيش والأمن الداخلي، إثر اتصالات أجراها الأهالي».
وأبلغ مفتي زحلة والبقاع الشيخ خليل الميس «الأخبار» أن دار الفتوى الإسلامية: «تسمع منذ زمن طويل عن وجود شيء ما داخل مقام سيدنا الخضر في عين عرب، ونحن لم نتجرّأ يوماً على مسّ قدسية المقام أو حتى الحفر والتنقيب». يتابع «للأسف، فوجئنا أمس (أول من أمس) بدخول قوات من مختلف الأنواع إلى عين عرب، يرافقها الوزير محمد شطح، وباشروا الحفر والتنقيب داخل حرم المقام، وكان تصرّفاً غير لائق على الأقل، وأبلغنا الأمر من يلزم، واعتقد أنهم غادروا حين اكتشفوا أن خطوتهم كانت كما يقال دعسة ناقصة». ويكشف الميس أنه أجرى اتصالاً برئيس الحكومة فؤاد السنيورة، و«سنتفق معه على الصيغة القانونية لحفظ حقنا». وهل يسمح الشرع الإسلامي بالتنقيب داخل مقام ديني؟ يجيب الميس «للأسف أقدموا على خطوة ناقصة، وسنبحث في الأمر مع الدولة».
وزير المال محمد شطح روى لـ«الأخبار» تفاصيل ما جرى في عين عرب، وقال: «الدولة تملك معلومات عن وجود شيء ما قد يكون له قيمة داخل المقام، ووصلت إلى الدولة بعض الوثائق التي تتحدث عن شيء مدفون هناك. وعلى الفور توجهنا إلى عين عرب، وباشرنا عملية الكشف، وحتى الآن لم ننته من الأعمال، لأن هناك بعض القضايا التي علينا أن نبحث فيها مع بعض المرجعيات الدينية». ويضيف «أعتقد أن الرئيس (فؤاد) السنيورة سليتقي مفتي البقاع الشيخ خليل الميس للبحث معه في هذا الأمر. وحسب القانون، فإنّ لأصحاب الأرض أو الحق حصة من المكتشف، وحصة أيضاً لمكتشف الشيء، وما بقي يكون ملكاً للدولة، ونحن سنلتزم بما يقوله القانون اللبناني بخصوص وجود كنز أو غير ذلك». ويؤكد شطح أنه «لم نبلّغ المعنيين بأمر المقام بخطوتنا هذه. فكما تعلم، لا يمكن إخبار المعنيين بالقضية قبل أن نتأكد كدولة من وجود شيء ما، وقد توقف العمل لأن المكان هو مقام ديني، حيث يجب إجراء المطلوب مع أصحاب الشأن، والرئيس السنيورة سيبحث في الأمر مع المفتي خليل الميس».


محاولات سابقة

«يروي الأهالي أن أردنياً كان يتردد إلى قريتهم منذ سنوات ويقيم داخل المقام متعبّداً. هذا الشخص اقترح أن يقوم بترميم المقام على نفقته. وحين باشر، لاحظ الأهالي أنه يعمل خفية في التنقيب، ما اضطرهم لطرده من البلدة. وأمس قال الأهالي إن الشخص نفسه كان برفقة شطح وإن الأردني كان يملك وثائق من أيام الحكم العثماني تتحدث عن كنز داخل المقام».