عمر نشابةصحيح أن المشتبه فيه بالتعامل مع العدو الاسرائيلي الموقوف محمود رافع بريء حتى تثبت إدانته أمام المحكمة العادلة التي تؤمن له حقّ الدفاع وحقّ استئناف الحكم بعد صدوره. وصحيح أن التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة مخالف للقانون وللأصول المهنية والأخلاقية بغض النظر عن براءة رافع أو إدانته. لكن إعلان عدد من الجمعيات الحقوقية والانسانية تضامنها مع هذا الموقوف دون غيره من الموقوفين، بسبب حسمها أنه تعرّض للتعذيب على يد مديرية الاستخبارات في الجيش قد يشجّع عدداً كبيراً من المواطنين اللبنانيين على تأييد التعذيب ولا يساعد على مكافحته.
عشرات آلاف المواطنين يعتبرون الموقوف رافع، بعد ما نشر في وسائل الإعلام، «عميلاً إسرائيلياً». الحكم القضائي بحقه لم يصدر، وبالتالي فهو ليس كذلك حتى اليوم. لكن إذا كانت للبعض ملاحظات على الاسلوب المعتمد في التحقيق معه فليطلبوا فتح تحقيق قضائي وليزوّدوا المراجع القضائية بالمعلومات التي تمكنوا من جمعها.
لكن الجمعيات المتضامنة مع المشتبه فيه الموقوف رهن التحقيق حسمت في بياناتها أنه تعرّض للتعذيب. يعني ذلك أن ثمة جريمة ارتكبها الذين كلّّفهم القضاء التحقيق معه. وفي ذلك ما يثير الاستغراب: فكيف تسمح جمعيات حقوقية لنفسها بنسف قرينة براءة هؤلاء عبر الحسم بأنهم ارتكبوا جريمة تعذيب؟ إذ لم تطالب الجمعيات بفتح تحقيق في المعلومات التي بحوزتها والتي تؤكد أن رافع تعرّض للتعذيب بل اعتبرتها حاسمة. ولا يعني ذلك أن التعذيب في لبنان أمر لا يتكرّر، فقد صدرت خلال السنوات الماضية أحكام قضائية تدين وتعاقب محققين اعتمدوا التعذيب. لكن اعتبار الجريمة قائمة وإدانة «المعذِّبين المجرمين» قبل تدقيق القضاء في صحّة المعلومات وقبل صدور حكم قضائي بحقّهم، هو تجاوز لحقوق الانسان عبر تجاوز قرينة البراءة.
إن المعلومات التي ترد إلى جمعيات حقوقية في لبنان بخصوص التعذيب خلال تحقيقات الشرطة أو الجيش، تشمل عشرات الحالات. ولا شكّ في أن معظم تلك الحالات تتعلّق بأشخاص اشتبه في ارتكابهم جرائم قتل وسرقة ونشل واحتيال وغيرها. ولم يصدر عن معظم تلك الجمعيات بيان تضامني كالذي صدر أخيراً تضامناً مع المشتبه فيه بالتعامل مع العدو الاسرائيلي محمود رافع.
إن حركة التضامن مع المعذَّبين في السجون ومخافر الشرطة ومراكز الاستخبارات من دون ذكر حالات فردية تختلف عن التضامن مع شخص واحد، إذ إن التضامن مع شخص واحد يتطلّب توثيقاً دقيقاً ومراجعة موسّعة. ويفترض أن تشرح الجمعيات الحقوقية لماذا اختارت هذه الحالة بالذات دون غيرها، وهل يمكن حسم المعلومات عن تعرّض الشخص للتعذيب، وأهم من ذلك كلّه كيف سيؤثر موقف الجمعيات المعلن من هذه القضية على الجهود التي تبذل لإقناع جميع فئات المجتمع بعدم جواز اعتماد التعذيب في كلّ الأوقات.
على أي حال وبما أن بعض الجمعيات أثارت تجاوزات في التحقيق مع رافع، يفترض أن يفتح القضاء تحقيقاً في ما أثير. وإذا تبيّن أن ما أثير صحيح يفترض إعادة التحقيق مع رافع لا التضامن معه دون التضامن مع آخرين توافرت معلومات عن تعرّضهم أيضاً للتعذيب.