حسن خليل


لإرسال رسالة الى المحرر، انقر هنا

كل الأتباع والأنصار والعشائريّين والقبليّين والمذهبيّين، من سائق السرفيس إلى المدير العام في الدولة ورجل الأعمال، يتحدّثون بلغة واحدة ومنطق واحد: «كلّهم حراميّة، كلّهم فاسدون، لا يريدون الإصلاح، يتقاسمون غنائم الدولة، وما إلى ذلك من كلام ستيريو». تسألهم: لماذا تفرحون عند السلام على زعمائكم، ولماذا تعيدون انتخابهم؟ فلا تحصل إلا على أجوبة تافهة. لقد كتب الزميل إبراهيم الأمين أخيراً عن إمكان نزول الشياطين إلى الشارع. كان يتساءل هب يمكن الاعتراض على عدم وجود مياه في الحنفية، أو تيار كهربائي، أو خدمة هاتفية. كلا، لا اعتراض على دين 58 مليار دولار ولا على غياب الحد الأدنى من التقديمات الاجتماعية. نهب مستمر للخزينة ولا محاسبة في الأرقام. فلتان أمني في مناطق وقمع أمني في مناطق أخرى. زواريب ومافيات أمنية وقضائية. هل سيعترض شعب بأكمله على ضابط أو قاضٍ أو موظف صغير لا يخجل من الإجهار بفساده واستزلامه لزعيم قبيلة سياسي؟
لبناني يذهب إلى الانتخابات لأن عمر بن الخطاب أو علي بن أبي طالب أو الحاكم بأمر الله أو مار مارون قد استنهضه وجعله خليفة له على الأرض.
جميل السيّد عقد مؤتمراً صحافياً وقال كلاماً في حده الأدنى يسقط حكومات في دول أخرى. سمّى بالاسم صحافيين وضباطاً وسياسيين وقضاة. هل ستتفاعل شياطين الأرض مع هذا الكلام؟
لا يا سادة. لا الشياطين ستتحرك ولا من أحد سيحاسب. بعض الشعب مغلوب على أمره: فقير، مدقع، يبحث عن لقمة كل يوم بيومه، وبعض الشعب مستفيد بوظيفة أو عطاء أو غطاء أو حتى بركة، والبعض الباقي إمّا مقيم يائس استسلم وإمّا مهاجر ينظر بحسرة إلى وطنه يزول.
حتى وزير يقول بالفم الملآن أنا عاجز، فإدارتي خارجة عن سلطتي وكل إدارة تتبع لمرجع سياسي. نعم هذه هي حال زياد بارود الذي وصل إلى موقع مسؤول بورقة يانصيب لا هو ولا أحد يعلم هل سيعود مرة أخرى. لماذا؟ لأن الزمرة الحاكمة أصبحت تراه مزعجاً. كلهم يمدحونه، ولكن لا أحد منهم يريد عودته ولا عودة أمثاله، «يجب أن تكون الحكومات سياسية». تصوروا أن زياد بارود ليس «سياسياً». هو مستقل وبالتالي غير «سياسي». وكأن السياسيين الذين عرفناهم مثال رجال الدولة.
طبعاً عندما يقرأ الجهابذة هذا الكلام يقولون إنهم يعرفونه. ولكن في لحظة ما ينسونه ويصبح همّهم: «يجب عدم السماح باستفراد الشيعة»، و«عدم السماح بتحجيم السنّة بعد الآن»، و«المحافظة على الوجود المسيحي في هذا الشرق»... و... ألم تقتنعوا بعد بأن هذه المعادلات سقطت وستُسقط الهيكل قريباً على رؤوسكم جميعاً؟ ألم تقتنعوا بعد بأن انتظار كلمة البطريرك وبيان المطارنة أو خطبة الجمعة ليس ملجأ لكم؟
ما العمل لإيقاظكم؟
ألم تستنتجوا بعد أن اتفاق الطائف، الذي قيل إنه كان الأساس لوقف الحرب الأهلية، في بعض جوانبه أسّس لحرب أهلية أخرى، وأن ما ابتُدِعَ من ديموقراطية توافقية هي أكذوبة غير مسبوقة بأسلوب التطبيقات اللبنانية. الديموقراطية في القاموس تتناقض مع التوافق. بل أكثر، لأنهم يدّعون أنهم تحت سقف الطائف ومع الديموقراطية التوافقية، يجب التوجّس منهما. لأن هذه الزمرة بمجملها لا تتفق إلا على ما يحافظ على بقائها بعضها مع بعض، ولا ضرر لو اختلفوا في التفاصيل بعدها.
المدخل أولاً وأخيراً قيام الدولة. والدولة لا تقوم بدون مؤسسات رئيسية وتنفيذية، وأهمها رئاسة وحكومة ومجلس نيابي وقضاء وأمن، مصدرها قانون انتخاب. كل المؤسسات مخترقة ومرهونة، وبالتالي لن يكون هناك قانون انتخاب من زمرة لن تلغي نفسها.
الصراع مع إسرائيل وعلاقات الجوار محسومان. ولكن هيكل الداخل متزعزع. كلمة أخيرة لرئاسة الجمهورية وللرئيس: لقد سُلبت منك صلاحياتك، استرجع ولو بعضها، بالحد الأدنى افرض هيبة الرئاسة، شاء مَن شاء وأبى مَن أبى. وكلمة أخيرة للمعارضة: لا تكونوا من حيث تدرون أو لا تدرون غطاءً لدمار الهيكل. ما تقومون به لن يمنحكم حسن النيّة ولم يعد من هامش للمناورة. احسموا أمركم وتبرّأوا من ممارسات السلطة وإلا أصبحتم شركاء متغاضين منتفعين.
كان الدين مليار دولار وأصبح 58 ملياراً ولم يكترث أحد، وستنهار مالية الدولة يوماً ما. اعتقد البعض أن النظام العالمي لا يمكن أن يقع وها قد وصل إلى شفير الانهيار.
جميل السيّد لم يعقد مؤتمراً صحافياً ليقول فقط إنه وزملاءه الضباط ظُلموا. لقد صرخ بصوت عالٍ إن السلطة محكومة من عصابات ومجرمين. إمّا هو معتوه فاحجروا عليه، وإمّا هو متعامل فحاكموه، وإمّا ما يقوله صحيح فاستحوا واستقيلوا، لأنكم محظوظون حيث ليس هناك من يحاكمكم. ولكن «إذا لم تستحِ فافعل ما شئت».
هل هناك مَن لا يزال يعتقد بأن الهيكل اللبناني من مجد الأرز خالد؟ هو متوهّم فالهيكل بدأ بالانهيار، وإذا ما بقي هذا الشعب مخدّراً فسيبكي في وقت يتجاذب فيه زعماؤه كؤوس النبيذ في عواصم العالم.