أحمد محسنرغم النبرة المرتفعة التي تحدث بها اللواء جميل السيد، أمس، ورغم كثرة الأسماء التي طرحها أمام الإعلام والرأي العام، إلا أن التحرك القضائي ما زال خفياً عن العين، أو خجولاًَ، إذا استثنينا تصريح وزير العدل إبراهيم نجار. إن الحيرة تسيطر على متابعي قضية الضباط الأربعة، الذين يطرحون الأسئلة عن «التبعات القضائية» لمؤتمر جميل السيد، خاصة بعدما نشر موقع elnashra الإلكتروني خبراً مفادها «ان مجلس القضاء الاعلى يرد في خلال جلسة يعقدها غداً برئاسة القاضي غالب غانم، على اللواء جميل السيد وما تناوله في مؤتمره الصحافي من قدح وذم بحق القضاة».
وأوضحت أن المجلس سيصدر عقب جلسته بياناً «يحافظ فيه على صورة المرفق القضائي وصدقيته وجديته، وانه سيبقى اعلى من كل الشبهات والتهم».
وزير العدل رأى أن الهجوم على المحكمة الدولية قائم على تكهنات
طالب اللواء السيد رئيس الجمهورية، والرئيس المكلَّف تأليف الحكومة، أمس بمعاقبة مضللي بالتحقيقات في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. الكثير من الأسماء، التي طالب السيد بمحاسبتها: الصحافي فارس خشان، النائب مروان حمادة، القضاة سعيد ميرزا، صقر صقر، جوسلين تابت، ورالف رياشي، العقيد وسام الحسن، إضافة إلى اتهامه وزير الداخلية الأسبق حسن السبع بمحاولة الضغط على بعض ضباط الأمن العام للشهادة زوراً في باريس. الكثير الكثير من الاتهامات التي تعد بمثابة الإخبار لدى النيابة العامة. لكن القضاء لم يحرك ساكناً. القضاء في لبنان «يأخذ وقته» عادةً: التشكيلات القضائية مثالاً. فبعد تأخّر دام أكثر من 3 سنوات، وقّع الرئيس ميشال سليمان مرسوم التشكيلات القضائية، بعدما وقّعه رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ووزراء المال والدفاع والعدل، في سرعة قياسية، تبعاً لإحالة رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي غالب غانم، لهذه التشكيلات التي كان قد أقرها المجلس بالإجماع. حينها، أدت الطريقة التي أقر بها المرسوم، إلى حصول أخذ ورد، وسلسلة من السجالات، بين قوى الأكثرية النيابية وقتها، وبعض أفرقاء المعارضة، ولا سيما المسيحية منها، التي بدا أنها لم تكن في جو الإعداد للتشكيلات، مقابل دور كبير لـ«القوات اللبنانية» وقوى مسيحية أخرى في الأكثرية في اختيار الأسماء والمناصب.
اليوم وعلى مقربة من مطالبة اللواء السيد بالمحاسبة، تجدر الإشارة إلى أن رئيس الجمهورية كان قد قال في حديث سابق، نقله عنه زوار لجنبلاط إلى «الأخبار»، أن الرئيس متأكد من براءة اثنين على الأقل من الضباط (اللواء السيد والعميد عازار)، علماً بأنه ووفقاً للمصادر ذاتها، صارح النائب الحريري بأن الأفضل ترك الضباط هنا بدل حصول الأمر في لاهاي. ولم يخفَ على اللواء السيد أن التدخلات السياسية قائمة وحقيقية، إذ أشار أمس إلى أنه يعلم جيداً وجود تهديد للقضاة، من بعض الفرقاء. كل هذا، والقضاء لم ينتفض بعد. اقتصر الأمر على تعليق بسيط لوزير العدل، في مداخلة تلفزيونية.
بدا التعليق المقتضب لوزير العدل، عبر المؤسسة اللبنانية للإرسال، على المؤتمر الصحافي للمدير العام للأمن العام الأسبق اللواء جميل السيد، أشبه برفع العتب. فالأخير، خلال مؤتمره، هاجم القضاء بما يكفي. أما نجار، فأكد أنه قبل الذهاب إلى أي قرار مُفترض، يحب أن يستمع إلى وجهة نظر مجلس القضاء الأعلى، مشدداً على ألا يمر هذا الموضوع مرور الكرام: «المفروض أن يقول القضاء الكلمة الأولى ونحن نتحرك بعده». لكن القضاء لم يتحرك بعد. أما عن رأي اللواء السيد في المحكمة الدولية، فرفض نجار اعتبار المحكمة فاشلة، ورفض أن يستبق الأمور. استعان بحديث السيد نفسه، الذي قال إن المدعي العام دانيال بلمار مستقل. برأي وزير العدل الهجوم على المحكمة الدولية قائم على تكهنات، فالتحقيقات في المحكمة الدولية تقدمت والوقائع أسرع بكثير من الكلام المعلن. أما برأي السيد، فالقضاء اللبناني يعاني كثيراً.
اللافت، أن نجار بعد تعليقه على مؤتمر السيد، انتقل إلى موضوع محطة الباروك، أكد أن التحقيق سار على قدم وساق ولم يتوقف وأن وزارة العدل لن تقبل بأن يتوقف، معتبراً أنه «لا يمكن أن نتوقف عند بعض الأقاويل والشائعات التي تحدثت عن التعامل مع إسرائيل». قال نجار ذلك، رغم اكتشاف عشرات المتعاملين والمتجسسين لمصلحة العدو الإسرائيلي في الآونة الأخيرة. أما المواطنون فلهم الله، في انتظار أن يتحرك القضاء.
أخيراً، يُذكر أن تحرك القضاء الوحيد الذي جرى كان برأي متابعين حقوقيّين لقضية الضباط تحركاً خجولاً، ولكنه أدى إلى قرار مهم، ففي 4 أيار الماضي، أحال وزير العدل إبراهيم نجار على رئاسة مجلس الوزراء مشروع قانون لتعديل المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، بناءً على المداولات التي جرت في مجلس الوزراء، في تلك الفترة. وينص مشروع القانون على وضع سقف زمني محدّد للتوقيف الاحتياطي في لبنان، ويهدف إلى الحؤول دون استمرار التوقيف الاحتياطي أكثر من 6 أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة، وبقرار معلّل يبرّر سبب التجديد.