خضع 19 شاباً وصبية نهاية الأسبوع الماضي لدورة تدريبية تؤهلهم لنيل صفة «ميسّرين» في مشروع «بدي كون مسؤول». انطلقوا من أمام مركز جمعية «نحو المواطنية» باتجاه فندق لا كريليون، برمانا. بعضهم في السيارة، بعضهم في الباص، أما عمر، فـ«لحقن بالتاكسي»
أسعد ذبيان
احتضنت القاعة السفلى من المبنى حماستهم، نقاشاتهم، والطاولة المستطيلة التي توزعوا حولها. عند أنشطة «كسر الجليد»، كانوا يجوبون القاعة بكل الاتجاهات، أما عند الشرح، فكانوا يتسمّرون على الكراسي وعيونهم على الشاشة أو على المدرب الذي كانوا مصممين على متابعة شرحه رغم بعض التثاؤب الذي لا بد منه في الجلسات المكثفة. مساءً، كانوا يمضون الوقت بجولات من النكات العابرة للطوائف وبتوطيد علاقاتهم بعضهم ببعض.
لمدة 48 ساعة، اجتمع الشباب ليتعلموا تقنيات ممارسة لعبة انتخابية سينقلونها بدورهم إلى المدارس اللبنانية كلّها حيث سيشرحون لشباب لبنان عن الأنظمة الانتخابية.
«هي تجربة شبابية مئة في المئة من مدربين لا يتجاوزون العشرين من عمرهم، ينقلون خبراتهم لنظرائهم في بناء دولة الغد»، يقول عيسى سركيس، أحد المشاركين، عن المشروع الذي يصفه تميم أبو كروم، منسّقه، بـ«محاكاة انتخابية تفاعلية تستهدف شباب الثانويات الرسمية والخاصة».
بدأ مشروع «بدي كون مسؤول» في عام 2008، واستهدف في مرحلته الأولى 30 مدرسة، أمّنت إطلاع نحو 1000 تلميذ على الأنظمة الانتخابية المختلفة، وعلى حقوقهم وواجباتهم في عملية الاقتراع. المحاكاة عبارة عن لعبة انتخابية تتيح المقارنة بين نظامي الانتخاب النسبي والأكثري، من خلال طلاب الصفوف المستهدفة الذين يقومون بتمثيل دور المرشحين، الهيئات المستقلة، المندوبين والناخبين. ويؤكد أبو كروم، أنّ المشروع في العام الماضي «قد نجح من الناحية التقنية وأنّه كان للمعلومات تأثير أكيد على التلاميذ وهو ما أشادت به إدارات المدارس أيضاً. ومن ناحية التأثير الحقيقي (لتغيير سلوكيات الانتماء العقائدي أو انتخاب الشخص عوضاً عن البرنامج أو التعصب للمرشح الفلاني)، فإنّه لا يمكن أن يُلتمس الفارق الآن، لأنّها عمليّة تراكميّة لها تداعيات مستقبلية»، مشيراً إلى أن «جمعية Aifes قد موّلت المرحلة الأولى من المشروع، بينما تدعم «مساعدات الكنيسة الفنلندية» المرحلة الثانية منه التي ستستمر لخمسة أشهر من الآن».
يبدو أن المشروع قد لبّى احتياجات الكثيرين من الشباب الراغبين بإدراك حقوقهم في المواطنة، والمتحمسين لتعميمها ونشرها بين أقرانهم أو من يصغرونهم سناً في المدارس، إيماناً منهم بأهميتها.
هكذا، أرادت كوين ميريل سلامة (22 سنة) أن تكون جزءاً من مشروع إصلاح قانوني يستهدف الفئات العمرية الشابة، لكونها تدرس المحاماة. تتوقع، (وهي تشارك للمرة الأولى في ورشة الإعداد)، أن يحقق المشروع أهدافه لأنّ هناك «عطشاً معرفياً لدى الشباب». كما تأمل أن تتوطد علاقتها بفريق العمل، وأن تتعرف على ثقافات متعددة في المدارس المختلفة التي ستزورها. تضيف: «لعل أنشطة كهذه تلفت إلى أهمية مشاركة الشباب، وصول المرأة، وقوة الصوت الانتخابي». أمّا نغم عبد الصمد (20 سنة)، التي سبق لها أن درّبت الطلاب في العام الماضي، فتتحدث عن تجربتها: «إذا أردنا التغيير، فعلينا الانطلاق حكماً من التوعية السياسية»، مشيرة إلى أنها قرّرت المشاركة في المشروع لأنها تؤمن بالحاجة لتغيير النظام الأكثري غير العادل وبقدرة المجتمع المدني على فرض الخطط الإصلاحية من خلال الضغط.
ولأن «القانون النسبي الذي يمهّد لإلغاء الطائفية السياسية هو من مطالب النادي العلماني»، فقد شارك الطالب في الجامعة الأميركية في بيروت والمنتسب إلى النادي العلماني، حبيب دغيلي، إلى جانب 5 من زملائه في النادي، في ورشة التدريب، متعهداً بالتنقل لاحقاً بين المدارس للقيام بالـ«ميني» انتخابات المدرسية. في رأيه، يتميّز هذا المشروع بالتفاعل الذي يقدمه ويعتبره مصغّراً لدى وصولهم إلى الفندق، كانت عاملة الاستقبال قد حذّرت المشاركين من إقلاق الراحة العامة. عندما أنهوا المشروع، اقتربت الموظفة ذاتها لتهمس في أذن أحدهم: «لقد أعدتم لي الأمل إنو بعد في شباب بلبنان بيفكروا يزبطوا البلد مش يخربوه».


لقطة
افتتان محتمل


خلال الجلسات الثنائية التي عقدت بين المشاركين الجدد والقدامى بغرض الإفادة من تجربتهم، حذّرت «ميسم» الصبايا الجدد من انجذاب فتيان المدارس لهن قائلة: «بدكن تتفهموا إنو أكيد الشباب الصغار حينعجبوا فيكن، خاصة لما يلاقوكن صبايا صغار محمسين وبيشتغلوا بطريقة أوريجينال».


«كان هناك شباب من سعدنايل والهرمل يتبادلون العناوين البريدية، لم نعلمهم عن طريقة الاقتراع فحسب، بل خلقنا لهم مجالاً ليتعرفوا على انتماءات مختلفة»، تقول نغم (الصورة)، متحدثة عن ورشة العام الماضي حين جمع الفريق تلامذة من مختلف المدارس

يشرح تميم (الصورة)، منسق المشروع، أن أعضاء الجمعية قرروا الانطلاق بهذا المشروع لأنهم لحظوا حاجة ماسة للقيام بمشروع تفاعلي، شبابي بامتياز، من مدربيه لمتلقيه، يقوم على فكرة اللعب بهدف التعلم، مؤكداً «نحن على ثقة بأن التغيير يحصل رويداً رويداً»