على خشبة المسرح يعيش محمد شمص حلمه الكبير، يمشي على درب التألّق، مستعيناً بالموهبة والطموح، لا يأبه بالمصاعب، بل يعدّها حافزاً للاستمرار
سمية علي
عند حديثه عن المسرح تنتاب محمد شمص، ابن السابعة عشرة، حالة غريبة. يتلعثم قليلاً، يحرّك يديه بخجل، لكنك في هذا كله تلمح ثقة وموهبة كبيرتين في ممثل صغير دخل للتو عالمه الأجمل. في طفولته واظب محمد على مشاهدة مسرحيات الأطفال، وخصوصاً تلك التي كانت تُعرض على شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال كل سبت. «كنت حط منقارة الكوسى وأعملها ميكروفون وبعد هيك أعمل برنامج»، يقول محمد مبتسماً. البداية كانت مع مسرح كشافة الإمام المهدي، الذي انضم إليه طفلاً، مؤدّياً أدواراً ثانوية. بعدما أثبت براعة في التمثيل، انتقل إلى تأدية أدوار رئيسية. فجأةً يضع محمد ذكريات الطفولة جانباً ويقول: «زياد الرحباني، أحب زياد كثيراً. هو مثلي الأعلى في التمثيل». يستمع محمد إلى زياد دائماً، يصفه بالرائع والواقعي، الذي يجسد الشارع بهمومه ومشاكله على المسرح. إضافةً إلى زياد، يستمتع الممثل الصغير بمتابعة الكثيرين كرفيق علي أحمد ومنير كسرواني وغيرهما، ممن «جعلوا من المسرح أداة للنقد والتغيير». يصمت شمص قليلاً ليبوح بسره المسرحي الصغير: «عند وقوفي على المسرح أنتقل إلى عالم يخصني، أنسى كل ما حولي، حتى الجمهور الجالس أمامي». النقلة النوعية في حياة محمد كانت تأديته على مسرح دار الأوبرا السورية، بحضور الرئيس السوري بشار الأسد وعقيلته أسماء. بوقوفه على ذلك المسرح المهمّ
النقلة النوعية كانت تأديته في الأوبرا السورية بحضور الرئيس السوري
ارتقى إلى الدرجة الأولى من سلّم طموحه اللامحدود. يعترف محمد بأنّ الثقافة هي العامل الذي يساعده على صقل موهبته الشخصية، وتنميتها، فالقراءة تؤدّي دوراً مهمّاً في تأسيس فكر واسع يسهم في بناء شخصية مثقّفة، وبالتالي ممثل يستطيع بناء شخصية أكثر تماسكاً وإقناعاً للجمهور. بعد دار الأوبرا السورية، شارك محمد في عروض مسرحية عديدة كمسرحية «وفي اليوم العاشر»، «حمار ودينيّي كبار»، وهي مسرحية أطفال «أعشق الوقوف أمامهم والتمثيل لهم، فهم يتفاعلون معي بصدق»، يقول. يبقى العمل المفضل لمحمد هو عمله الأخير «انتخاب ظني فيك»، وهي المسرحية السياسية الساخرة التي جسّد فيها شخصيات عديدة انتقدت بمعظمها المشهد السياسي اللبناني.
توقف محمد ملياً عند تجربته الأخيرة قائلاً إنّها فتحت له أبواباً للمشاركة في برامج سياسية ساخرة، لكن العروض جوبهت برفض من الأهل الآتين من بيئة محافظة. يتوقف محمد عن الكلام ثم يضيف «أريد التمثيل مع زياد وغوّار لهذا لن أبقى هنا». إلى جانب التمثيل يتابع محمد دراسته في مجال الهندسة الكهربائية في إحدى المهنيات، آملاً أن يكملها في الجامعة. «التمثيل ما بيطعمي خبز»، يقول شمص، لذا فهو مضطر إلى إبقاء التمثيل هواية يمارسها من حين إلى آخر، على أمل أن تلتفت الدولة إلى الممثلين فتحسّن وضعهم، وتمنحهم حقوقهم من ضمان صحي وراتب يوفّر لهم حياة لائقة، إضافةً إلى دعم نقابة الممثلين وجعل عملها أكثر فعّالية. تسأل محمد عن حلمه الكبير فيعلن طموحه بأن تكون له شخصية فريدة على المسرح لا تشبه أحداً. لا يكتفي محمد بتأدية الأدوار فقط بل يحاول خلقها أيضاً، ففي غرفته يحتفظ دائماً بكاميرا صغيرة يمثّل أمامها ما يخطر له من أدوار ليكون بعدها مشاهداً ينتقد ما يرى. لا ينفي تعرّضه لبعض الانتقادات أحياناً، إذ إنه لم يصبح ممثلاً بارعاً أو محترفاً حتى الآن في نظر البعض من محيطه. هذه الانتقادات مثّلت بالنسبة إلى الممثل الناشئ حافزاً لمزيد من التدريب والمثابرة لتقديم ما هو أفضل إلى الجمهور. في أوقات فراغه يستمع الممثل إلى فيروز ووديع الصافي. يغمض عينيه ويتخيّل نفسه ممثلاً في «فيلم أميركي طويل»، يقف إلى جانب زياد الرحباني ويقول: «غالي يا وطن بس ما لقينا مين يشتريك»، الجملة التي لا يستطيع أن ينساها منذ أن سمعها طفلاً وهو يسمع المسرحية للمرة الأولى.