مشهد يتكرّر كل عام: تُقرع طبول البروفيه، ومعها تدق قلوب التلامذة. فهم يُمتحنون للمرة الأولى رسمياً تحت أعين مراقبين ليسوا أساتذتهم، في قاعات ليست لهم ومع تلامذة ليسوا أصدقاءهم
ملاك عواد ــ محمد محسن
في ثانوية «عمر فروخ» الرسمية، لا تظنّن أنك ستقترب من باب المركز الحديدي. فإن لم تعوقك السيارات الممتدة على طول طريق الثانوية فالأهل كفيلون بإبعادك نهائياً.
بعد طول انتظار بدأ الممتحَنون بالخروج. أوّلهم أجمع على سهولة مسابقتي الجغرافيا والرياضيات، بينما اشتكى اللاحقون من «تعقيد» مسابقة الرياضيات. «أستاذ ما بيحلها»، قال أحدهم، فيما تعهدت زينة ألّا تدرس الرياضيات مرة أخرى في حياتها «لأن الدرس ما بينفع» على حدّ قولها.
شكاوى التلاميذ تعدّت مستوى المسابقة لتصل إلى المشاكل اللبنانية بامتياز، التى استشرت في الأوساط المدرسية أيضاً. «الواسطة» حطّت رحالها في معظم الغرف. «ابن أخ نائب ووزير سابق وصله حل مسابقة الرياضيات قدّام عيوننا»، يخبرنا محمد «الحانق» على حد قول والدته. أما والدة سارة، فاستقبلت ابنتها التي شرعت بالبكاء «عملت منيح بس هيدا مش عدل، نحنا ندرس وغيرنا يغش». فقد كان للغش نصيبه يوم أمس في بيروت: فاتن طمأنت والدتها إلى أنها «كزّت» مسابقة الرياضيات من صديقتها «البرّيشة»، فيما أكد عبدو لوالده أنه «زمط بروشتّات الجغرافيا».
وللطائفية السياسية حصتها أيضاً على حد زعم أحد التلامذة، فقد سحبت منه المراقبة المسابقة «لأنها مسيحية عونية وأنا سنّي»، متوعداً أمام أصدقائه بأن «يطحبش» سيارتها في اليوم الأخير من الامتحانات!
لم تَخفَ المخالفات على المنتظرين خارجاً. «ماجدة»، إحدى المعلمات اللواتي انتظرن تلامذتهن، شهدت على «إمرار بعض الأرقام عبر البوابات لبعض المراقبين، وعدم تفتيش تلامذة إحدى المدارس مع السماح لهم بحل المسابقة جماعياً».
في ثانوية زقاق البلاط كان الوضع مشابهاً. وزاد على كل ما سبق، ضيق الكراسي والحر الشديد، ما أدى إلى استحالة التركيز في ظل «الكلام المتواصل للمراقبين» كما روى التلامذة. أمام هذا الواقع المزري الذي انتشر في أكثرية مدارس بيروت، وعد بعض الأهل أولادهم بتشغيل «واسطاتهم» بينما تعهد أحد الآباء، وهو محام، أنه لن يسكت.
أما في الضاحية الجنوبية، فقد «حجّ» التلامذة من مختلف أنحاء محافظة جبل لبنان، التي تعدّ الأكبر على مستوى عدد الممتحنين نحو المراكز في الشياح وبرج البراجنة وحارة حريك وطريق المطار،.
أمسك التلامذة ببطاقات الترشيح بحرص شديد، يتفقّدونها كل ثانيتين، كأنّها أغلى ما يملكونه حالياً، فهي جواز عبورهم إلى قاعات الامتحان. هدف واحد يجمعهم: الحصول على أعلى معدّل ممكن في الرياضيّات. ينصح التلميذ محمد سحمراني زملاءه، بعدم المذاكرة قبل الامتحان «بتنسّي المعلومات بدل ما تذكّر فيها». لكن نصيحته لا تلقى صدىً لدى زملائه، لا بل حتى عند الأهالي، الذين أصرّ بعضهم على «تسميع» الدروس لأولادهم قبل الدخول. بدورهم، يحاول الأساتذة تطمين التلامذة، فيستعملون عباراتٍ تخفيفية «المسابقة أسهل من اللي عملناها بالصف» يقول أحدهم. على الرصيف المؤدي إلى ثانوية حسين علي ناصر في الرويس (برج البراجنة عقارياً) يجمع زميل آخر له تلامذته حوله، بينما يسدي إليهم التوجيهات الأخيرة «هدوء، تركيز، وإذا استعصى شي تنقّلوا». تدّق ساعة الامتحان، فيختفي الصخب تدريجياً. أربع ساعاتٍ هي المدّة المسموح بها للامتحانين، مرّت بهدوءٍ داخل مراكز الامتحان.
انتهى وقت الامتحانات، فتحوّل التلامذة الذين نزلوا تباعاً من القاعات، إلى نجومٍ يتراكض الأهالي لسؤالهم «كيف عملتو؟ كيف مستوى المسابقات؟».
لم يتأخر التلامذة بالإجابة. أجمعوا على سهولة مسابقة الجغرافيا، ووضوح أسئلتها. تشجّعت إحدى الأمهات وسألت عن «الخريطة التي وردت في الامتحان»، وارتاحت عندما أبلغها أحد التلامذة أنها خريطة العالم العربي «خَي، ابني درسها الصبح قبل الامتحان». في المقابل، لم يجمع التلامذة على امتحان الرياضيات. بعضهم أكّد صعوبتها، مشيراً إلى سؤال الهندسة الأخير «عجزنا عن حلّه، صعب كتير»، كما قال أحد التلامذة، ما دفع إحدى الأمهات إلى سؤاله «بتحب الـمات يا خالتو؟». وفي المتن (رندلى جبور)، توجّه التلامذة بصيغة «هجوم عسكري» إلى مدرسة أنطلياس الرسمية، فكانت النتيجة زحمة خانقة أبطأت إيقاع دخولهم إلى القاعات، ليخرجوا منها بعد عدة ساعات بانطباع «وسط يميل إلى الجيد». ووسط التناقض في الحديث عن الغش، بين الكلام عن إفراط فيه وآخر عن انعدامه كلياً، كان إجماع على صعوبة مسابقة الرياضيات. الصورة التي رسمها التلامذة قبل يوم الامتحان لم تختلف كثيراً عما شاهدوه: المسابقات غير بعيدة عن المقرّرات، وبالتالي «اللي دارس بينجح»، والمراقبة كانت مرنة نوعاً ما.
الأهالي كانوا في انتظار أولادهم قبل موعد انتهاء الامتحان، ما تسبّب بزحمة سير خانقة في محيط المدرسة بين الساعة الحادية عشرة والثانية عشرة ظهراً. فور خروج التلامذة بدأت الأسئلة عن «كيف عملت» وبدأ التلامذة يتداولون الإجابات التي كتبوها لمعرفة ما إذا كانوا قد أصابوا، وهل سيتخطّون المعدل المطلوب للنجاح.
بدورهم، أبدى المراقبون ارتياحاً للجو العام، وأشاروا إلى أن الانضباط هذا العام فاق السنوات السابقة من دون أن تنتفي كلياً مسائل «سحب الأوراق من طلاب يغشون»، أو إعطاء الإنذارات اللازمة التي لم تتعدّ الحد المقبول والطبيعي.


أم محمد ما طبخت

مرّ الوقت بصعوبةٍ على الأهالي المتجمّعين أمام المراكز. فالشمس حارقة. «استوَينا» قالت إحداهن. قتلوا الوقت بالدعاء بالتوفيق لأبنائهم، وبالأحاديث الجانبية. أم محمد حجازي ستؤجّل طبختها اليوم، حتى تعود برفقة ابنها إلى البيت، كيف لا؟ وهو أول العنقود في الامتحانات الرسميّة. أمّا أم كامل دبوق، فلا تشعر بالتوتر مثلها لأنّها «خبيرة امتحانات رسمية»، وابنها «حينجح متل إخواتو اللي سبقوه».