محمد بنعزيز*قدّم «المنتدى المدني الديموقراطي المغربي» تقريره عن ملاحظة الانتخابات البلدية التي جرت يوم 12-06-2009. عرض التقرير خلاصات مركّزة تتبّع فيها نتائج الانتخابات وسياقها العام، وقدّم خلاصة تركيبية. اكتسح النتائج حزب صديق الملك «الأصالة والمعاصرة»، وحصل على 6015 مقعداً عن مليون و155 ألف صوت، أي 18.7%، وهو حزب عمره ثلاثة شهور! أما حزب الوزير الأول، وعمره 65 سنة فحصل على 5292 مقعداً، أي إن نسبة من صوّت له تبلغ 16.6 %، بينما حصل حزب العدالة والتنمية الإسلامي على 1513 مقعداً بفضل 460 ألف صوت أي ما نسبته 5.5% .
وقد كانت نسبة المشاركة (52.4%) منخفضة مقارنةً بالانتخابات الماضية، وخصوصاً بانتخابات1997 حين بلغت 75.13%.
بالنسبة إلى سياق الحملة سجّل التقرير:
ــ استئجار ذوي السوابق والأطفال في وضعية هشّة لتنشيط الحملة الانتخابية. ــ استخدام الفرق الفولكلورية بدل عرض البرامج الحزبية. ــ غياب ممثلي الأحزاب عن أكثر من نصف مكاتب العينة، وهم ممثلون مياومون وبعضهم لا يميز بين اسم الحزب ورمزه الانتخابي. ــ خضوع التصويت لعوامل ثقافية وقبلية وزبونية. ــ ضعف استيعاب القوانين والتشريعات من طرف الفاعلين في الحقل الانتخابي. ــ ازدواجية نمط الاقتراع بين اللائحي والفردي دون أن تظهر فائدة ذلك. ــ رفع العتبة من 3 إلى 6% مما مثّل حاجزاً أمام الأحزاب الصغيرة. ــ تخصيص أكثر من 60 مليون دولار لدعم وتمويل ترشيح النساء. ــ غياب البرامج التلفزيونية عن الحملة الانتخابية والاكتفاء بطرح الأسئلة نفسها غير المهيّأة جيداً على ممثلي كل حزب على حدة ليمرّر ما يريد، وقد خلطت التدخلات بين التحليل والقذف. ــ بقيت الصحافة الحزبية باهتة ولم يطرأ أي تغيير في أدائها الإعلامي خلال الحملة بل تابعت الدعاية في توظيف سياسوي ضعيف وغير نزيه. ــ جرى ترويج عدة شائعات مثل زعم جريدة المساء وجود حكم قضائي يخص لائحة حزب العدالة والتنمية الإسلامي عشية يوم الاقتراع في دائرة تمارة قرب العاصمة. مما دفع الحزب إلى توزيع منشور يكذّب الخبر ويتهم جهات لم يذكرها بالاسم بالمسّ بسمعة الحزب.
بالنسبة إلى الخلاصات، سجل التقرير:
ــ نجحت الدولة في إدماج الفاعلين في حلقات نقاشية انتهت بتوافقات على مشاريع مقترحة من طرف الإدارة. ــ ما زال عدم المشاركة في الانتخابات مرتفعاً لأسباب سياسية ومؤسساتية. ــ تعيش الأحزاب صعوبات كثيرة بسبب تآكل نفوذها وتراجعها التنظيمي. ــ برز دور شبكات الأعيان والأفراد ذوي النفوذ في إعادة هيكلة الخريطة السياسية بطريقة جذرية حاسمة، وفي وقت وجيز. ــ تمكّن حزب الأصالة والمعاصرة، رغم قصر عمره، من تعنيف العادات والتوازنات القائمة بشكل نسبي، وقد قام بعمل تأسيسي تنظيمي ذي بعد وطني يتجاوز الانتخابات المحلية. وكل هذا يطرح أسئلة عن علاقة الدولة بالحزب الجديد ودوره في ظل تراجع الأحزاب القائمة. ــ ضاعف حزب العدالة والتنمية عدد مقاعده من 593 في 2003 إلى 1513 في 2009، رغم تراجع ترتيبه وبريقه. فسر التقرير المضاعفة بصلابة الحزب واستقراره بينما عزا التراجع لأسباب متعددة منها ضغوط الدولة والنزوعات الإقليمية والدولية والانحسار الرمزي للموجة الإسلامية. ــ تأثير اليسار اليوم محدود في الساحة العمومية، وهو عاجز عن تجميع قواه ومعالجة تشرذمه مما يفرض عليه سؤال الآفاق وإعادة التأسيس. ــ لم تعد الخروق مرتبطة بصناديق الاقتراع، انتقلت إلى الفضاءات المحيطة بمكاتب التصويت: الشوارع والمقاهي. ــ لم يعد ممكناً الحديث عن تدخل سافر ومباشر للدولة، اتفق الفاعلون على حيادها، وصاروا يتجادلون هل حيادها إيجابي أم سلبي؟ ــ خرجت الانتخابات المغربية من دائرة الاستثنائي، انتظمت وأصبحت أكثر تنافسية.
ــ استقر التنافس بين الأعيان والمال، وهُمّش دور المناضلين الحزبيين المتطوعين والفقراء. وأكد التقرير في الختام «إلا أنه على العموم لا يبدو أن هذه الانتخابات قد أحدثت أو تحدث تغييراً في الوضع السياسي القائم».
بالنسبة إلى المرأة، اتضح أن سَنّ قوانين للتمييز الإيجابي لمصلحة النساء ليس كافياً، بدليل أن عدة أحزاب لم تتمكّن من ترشيح نساء في اللوائح المخصصة لهن في البوادي، لأن الرجال يعترضون، ومنهم من هدد زوجته بالطلاق إن ترشّحت. عن العتبة، قال ساعف إنها عنف ضد التنظيمات الصغيرة، بل هي تدخّل من جانب الدولة في السوق السياسي.
وقد أكدت الصحف المغربية هذه الاستنتاجات بالتركيز على استخدام المال، وقد عمد المرشحون إلى استقطاب «الحيطيست» ــ شبان يقضون عمرهم مستندين إلى الحائط بسبب البطالة ــ وتزويدهم بالخمور، وكلما سكروا أكثر زادت حماستهم السياسية!
ومساهمة منه في «اللخابيط»، لم يحقق وزير الداخلية في مئات الملايين التي وزعت أثناء الحملة الانتخابية، وتوزع الآن لتأليف المجالس البلدية، بل قرر سيادته وبكامل الجدية، التحقيق مع الصحف التي تنشر تلك الشائعات «لأن من شأن هذه الشائعات ـــــ حسب السيد الوزير ـــــ أن تخلق صورة سلبية في أذهان المواطنين، وتحدث جواً من الإحباط والتشكيك في الجهود الجبارة التي تقوم بها الحكومة والهيئات السياسية لتخليق (بمعنى جعلها أخلاقية) الحياة العامة».
للإشارة سبق لوزارة الداخلية أن اتهمت ناشطاً حقوقياً «بتسفيه» جهود الدولة في مكافحة المخدرات، والناشط معتقل منذ أربعة أشهر، وسبق لوزير العدل أن اتهم الصحف بنشر الاكتئاب. للإشارة ثانية، قبيل الانتخابات، ضبطت الشرطة 50000 كيلوغراماً من الحشيش. واضح أن الجهود الحكومية حثيثة، ليس للقضاء على الحشيش وشراء الذمم، ولكن فقط للحفاظ على الصورة. حفظني الله من التسفيه وحفظ الرب الصورة حلوة منفصلة عن الواقع.
* صحافي مغربي