مهى زراقطلا يمكن المراهنة كثيراً على أن تغييراً في آراء الإناث قد يحصل، وخصوصاً في ظلّ قانون انتخابي طائفي غير عادل كالذي أجريت على أساسه الانتخابات الأخيرة، لكن السؤال يبقى مطروحاً عن مسؤولية النساء في إيصال أشخاص إلى مواقع القرار، وهن اللواتي يمثلن «أغلبية جندرية» في لبنان. بل إنه سؤال يفرض نفسه عند كلّ محطة تكون فيها قضايا المرأة وحقوقها موضع سجال لا يؤخذ رأيها فيه كما حصل أول من أمس.
فعلى خلفية الحكم القضائي ـــــ السابقة، الذي أنصف المرأة اللبنانية بإعطاء سيدة لبنانية متزوجة برجل مصري متوفٍّ، حق منح جنسيتها لأولادها القاصرين، (راجع الأخبار 17 حزيران 2009)، أرسل النائب فؤاد السعد كتاباً إلى وكالة الأنباء المركزية، انتقد فيه الحكم القضائي «المخالف للقانون» ومن أصدره (أي رئيس المحكمة القاضي جون قزي من دون تسميته)، وانتقد وزير الداخلية زياد بارود، سائلاً عن وجود «طبخة ما لأنه لا يبدو أن وزارة الداخلية في وارد التحرك لاستئناف الحكم».
الكتاب الذي جاء فيه أيضاً أنه لا يفهم «أي ظلم يلحق بأولاد المرأة اللبنانية ما داموا يحملون جنسية والدهم»، اتهم من أصدر القانون بأنه «رغب في تحقيق سبق صحفي»، وبأن صدور الحكم «في فترة المعركة الانتخابية كان مقصوداً، فلا يجرؤ مرشح على الاعتراض عليه أو التنبيه منه، خوفاً من أن يفسّر بأنه بموقفه هذا يقف ضد حقوق المرأة، ويتحمل خطر حجب الأصوات عنه».
وقد أعاد السعد في اتصال مع «الأخبار» تمسكه بمضمون ما جاء في بيانه «المفصّل»، كما قال، الذي لا يحتاج إلى إعادة الحديث به.
لكن بيانك ليس مفصّلاً حضرة النائب، بل هو يفرض طرح أسئلة. لقد ربطت إصدار الحكم بالانتخابات النيابية، علماً بأنه صدر في 16 حزيران، أي بعد تسعة أيام من الانتخابات النيابية!
ـــــ أنا كنت أقول إن بعض النواب لم يردّوا عليه، وهم ينتقدونه بسبب الانتخابات.
واضح، لكن الانتخابات كانت قد انتهت وفاز من النواب من فاز.
ـــــ بيجوز... على كلّ حال هذا ليس أهم ما ورد في بياني.
بلى، هو مهم لأنك تتهم فيه قاضياً بتسييس حكمه مراعاة للانتخابات.
ـــــ أنا لم أتهم أحداً، ولم أقل إنه مسيّس. ما عندي قلته في بياني ولن أتمادى أكثر.
بيانك يقول إن القاضي خالف القانون.
ـــــ نعم، لأن القانون لا يعطي «الحُرمة» اللبنانية حق إعطاء جنسيتها لأولادها.
والقانون لا يحرم المرأة اللبنانية هذا الحق أيضاً.
ـــــ القانون واضح ولا يحتاج إلى فذلكة. ما تتعبي حالك لن أحكي أكثر مما قلته في البيان. أنا محامٍ ونائب، وإذا أردتُ التمادي يمكنني قول المزيد، لكني لا أريد.
بصفتك نائباً لم لا تقوم بدورك التشريعي وتقترح تعديلاً لقانون الجنسية؟
ـــــ لن أحكي أكثر. ما تعذبي حالك.
الطرفان المعنيان بالكتاب، الوزير بارود والقاضي قزي، لم يرغبا بالتعليق وقد اكتفى بارود بدعوة السعد إلى طرح الثقة به. فيبقى السؤال عن التعرّض لقاضٍ والتشهير به على خلفية عدم الرضى عن الحكم؟ عن هذا السؤال يجيب وزير العدل إبراهيم نجار باستنكار: «التعبير عن الرأي من حق النائب، وكل سلطة حرة ضمن نطاقها».
حتى لو كان بيانه يتضمن تشهيراً بقاضٍ؟.
ـــــ هل تسمّين الرأي تشهيراً؟
ماذ يفسّر اتهام القاضي بأنه أصدر حكمه لدواعٍ انتخابية، وبأنه يريد تحقيق سبق صحافي؟
ـــــ هذا رأي سياسي.
من يدافع عن القاضي في هذه الحال؟
ـــــ القاضي عندما لفظ حكمه معلّلاً قدّم وجهة نظره في هذا الموضوع، بعد ذلك يصبح الحكم عاماً ويمكن انتقاده.
إجابة نجار الأخيرة جاءت حاسمة منه لكونه رجل قانون أولاً كما يحرص على القول، لافتاً إلى أنه «بالأساس مع مساواة المرأة بالرجل».
في الإطار نفسه، أصدرت حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي» بياناً أبدت فيه عدم استغرابها كتاب السعد «المتوتر والمنفعل» كما وصفته، «وإن كنا نستغرب أن يخرج هذا الموقف من نائب في كتلة اللقاء الديموقراطي التي كانت لها عدة مواقف مؤيدة لحق النساء اللبنانيات بمنح الجنسية لأسرهن، وذلك من خلال عدة تصريحات علنية داعمة لهذا الحق صدرت عن أركانها، وعلى رأسهم النائب وليد جنبلاط».
وفيما رأت الحملة أنها ليست بوارد المدافعة أو التصريح نيابةً عن الوزير زياد بارود أو القاضي جون القزي «إلا أننا نرى لزاماً على أنفسنا والتزاماً تجاه النساء اللبنانيات المعنيات وأسرهن، إبداء جملة ردود على ما ورد في هذا الكتاب»، فأعادت التذكير بأن «هذا القرار القضائي استند إلى جملة حيثيات قانونية وإلى دراسة دقيقة لقانون الجنسية الحالي، متخذاً المساواة والعدالة مبدأً لذلك، وبالتالي لا يمكن عدّه تلاعباً بالقانون أو خرقاً له. من ناحيةٍ أخرى، ترى الحملة أن هذا الحكم لا يتعارض مع صلاحيات السلطة التشريعية، فهو حكمٌ قضائي مستقل وليس تشريعاً للقانون، وإن كنا نأمل أن تمثّل هذه السابقة الجديدة حافزاً للسلطة الاشتراعية لتكريس المساواة وتثبيت حق النساء بالمواطنة الكاملة من خلال تعديل قانون الجنسية الحالي الجائر». كذلك سأل البيان عن الأسباب التي دعت السعد إلى مهاجمة بارود إزاء موقفه الداعم للحكم القضائي، مشيرة إلى أن «التهجّم على الحكم القضائي والنيابة العامة من شأنه إضعاف الثقة بالقضاء، فيما نحن بأمسّ الحاجة إلى تعزيزه وضمان استقلاليته بعيداً من التدخلات السياسية».
ورأت في «إثارة الهواجس المتصلة بالديموغرافيا واختلال التوازنات الدقيقة الطائفية في المجتمع اللبناني، والخوف على الكيان، والترهيب من الغرباء الذين يتدفّقون من كل حدب وصوب، كما ورد على لسان السعد، محاولات متجددة لعرقلة أي تقدم في المساواة في المواطنة، وذلك تحقيقاً لغايات وأغراض سياسية ضيقة».