رامي زريقتزايد عدد التعاونيات الزراعية والريفية في لبنان خلال السنوات الأخيرة حتى أصبح لكل عائلة وقرية وطائفة تعاونيتها الخاصة.
لا يعود هذا التكاثر إلى انجذاب اللبنانيين العفوي نحو العمل التعاوني، بل إلى طبيعة التنمية الريفية في لبنان، حيث لزّمت الدولة مكافحة الفقر لمنظمات تنموية تتموّل من وزارات خارجية البلدان الصديقة: كالولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وإيران.
فهذه المنظمات تأتي حاملة ميزانيات كبيرة بهدف توزيعها على الجهات الناشطة، وتشترط لمنحها وجود تعاونية تتواصل من خلالها مع المجتمع المحلّي. نتيجة لذلك، انتشر فجأة مفهوم النشاط التعاوني في لبنان، وبنيت في الأرياف مئات التعاونيات التي كان عمرها أقصر من عمر أزهار الربيع، بعدما منيت بفشل ذريع.
وإذا عدنا إلى أسباب هذا الفشل، فسنجد أن إحدى المشكلات الأساسية تكمن في أن التعاونيات في لبنان تمثّل مرآة للمجتمع المحلّي بكل صراعاته وعلاقات القوة التي تميزه، بما فيه التسلط العائلي والطبقي والطائفي على مراكز النفوذ. فالفشل لا يتعلق بعجز اللبناني عن التعاون، لأن أهل الريف يتعاونون تلقائياً في الأزمات، أي عند الحاجة الملحة، مثل إعمار مدرجات حجرية على سفح الجبال قد يكون جرفها السيل، أو ترميم سطح منزل دمرته العاصفة. إلا أن معظمهم، ببساطة، يفضّل الفصل بين المشروع التجاري ومفهوم التكافل الاجتماعي.
قد يكون حان الوقت لتغيير العادات السائدة ولتصحيح الفشل الذي وقعت فيه الحركة التعاونية. إلا أن هذا التغيير يحتاج إلى بناء القدرات البشرية لدى التعاونيّات قبل مدّها بالدعم المالي والمادي، بهدف تطوير إطار عمل أكثر تلاؤماً مع الضرورات التنموية، تصبح من خلالها التعاونيّات أداة لتغيير الواقع السياسي والاجتماعي لا لتكريسه.