في أول يوم سبت من شهر تموز، يحتفل العالم باليوم العالمي للتعاونيات. وفي لبنان، شهد هذا القطاع أخيراً «تضخماً» من حيث العدد، دون تغيير واقع القطاع الزراعي بشكل ملحوظ. تلقي صفحة «بدائل» الضوء على واقع التعاونيات الزراعية عموماً، والنسائية منها خصوصاً
كارول كرباج
1200 تعاونية، الأغلبية الساحقة منها زراعية، لـ200 ألف مزارع ولقطاع لا تتخطى نسبته 6% من إجمالي الناتج المحلي. هل لاقى العمل التعاوني تجاوباً إلى هذا الحدّ؟
تاريخياً، أنشئت أولى التعاونيات، كمعظم المؤسسات الأخرى، على يد الانتداب الفرنسي للسيطرة على المجتمع المحلي. بدأت المرحلة الأولى مع تأسيس أول تعاونية زراعية عام 1937 في بلدة العبادية، تحت حكم القانون العثماني لتنظيم الجمعيات الأهلية. انتشرت فكرة التعاونيات في باقي المناطق مع المساعدات الممنوحة للتعاونيات الزراعية من وزارة الزراعة. وبدأت المرحلة الثانية مع انطلاقة المشاريع التعاونية في الستينيات بإطار قانوني ينظّم التعاونيات (قانون 1964). أمّا اليوم، فقد ارتفع عدد التعاونيات كثيراً، مع بداية «عصر التمويل» ومعه التعاونيات الوهمية.
في المبدأ، «التعاونية» ليست شركة خاصة تبغي تعظيم الربح، وليست في الوقت نفسه جمعية لا تبغي الربح. إنها، كما عرّفتها توصية منظمة العمل الدولية الرقم 193، «جمعية مستقلة مؤلفة من أشخاص اتحدوا معاً طواعية لتحقيق احتياجاتهم وتطلعاتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المشتركة عن طريق منشأة مملوكة ملكية جماعية ويشرف عليها ديموقراطياً».
في حقبة الليبرالية، استغنت الدولة عن دورها في إصلاح القطاع الزراعي عبر بلورة سياسات عامة تدعم القطاع التعاوني وتمكنه من دخول الأسواق وتصريف الإنتاج، ممّا فتح الباب أمام المعونة الأميركية والاتحاد الأوروبي ومؤسسات الأمم المتحدة وغيرها من منظمات غير حكومية لضخ أموالها في تعاونيات القرى الريفية.. كما سمحت للعديد من الريفيين بتأسيس تعاونيات بغرض الاستفادة من هذا التمويل، ليس إلا.
وإضافة إلى عدم فعالية العديد من هذه التعاونيات والتبعية تجاه المموّلين، يعاني هذا القطاع من سيطرة الأحزاب السياسية عليه وإعادة تكريس توازنات القوى داخله، وهو ما يحد من تأسيس المزارعين الناشطين للتعاونيات أو النقابات. حدثنا خليل عليق، المدير الميداني لمشروع «أرض وناس» ــــ الجامعة الأميركية في بيروت، عن المزارع «أبو قاسم» الذي اشتهر بزراعة الزعتر وتصنيعه في زوطر الشرقية والغربية تحت اسم «زعتر زوطر». فلمواجهة صعوبات هذه الزراعة، من إيجاد أسواق تصريف وخفض تكلفة المواد الأولية، فكّر بتأسيس تعاونية ــــ نقابة لمزارعي الزعتر، لكنّه سرعان ما تراجع عن هذه الفكرة حين بدا له أن «شبّيحة الأمر الواقع» سيسيطرون عليها قبل أن تولد. هذا الواقع يفسّر جزئياً سبب ابتعاد العديد من النساء عن التعاونيات الزراعية المختلطة وتأسيس تعاونيات إنتاجية نسائية. فكفاءة المرأة غير كافية، على ما يبدو، لتمثَّل في إدارة التعاونية التي تنشط فيها، إذا افتقدت إلى دعم القوى السياسية والعائلية. نسبة مشاركة النساء وتمثيلهنّ في التعاونيات الزراعية ضئيلة جداً بسبب الأدوار الثانوية التي يشغلنها في هذا القطاع، وافتقارهن إلى الموارد المالية، وعبء مهماتهن المنزلية، ناهيك بالتقاليد الثقافية التي تحدّ من حرية الحركة...
وقد شرحت لنا ناتالي شمالي، منسقة مشروع تمكين المرأة في مجموعة الأبحاث والتدريب (C.R.T.D.A)، أن بعض النساء انفصلن من تعاونياتهن من أجل تأسيس تعاونيات إنتاجية نسائية (متواضعة في الحجم). ثمة 125 تعاونية نسائية اليوم وفق C.R.T.D.A، الأمر أدى إلى خلق فرص عمل للعديد من النساء، وتمكين المرأة اقتصادياً وإثبات ذاتها اجتماعياً. واجهت التعاونيات النسائية العديد من التحديات، كالصعوبة في التعامل مع التجهيزات، التنظيم وإنجاز المعاملات القانونية والحسابية، التعامل والتفاوض مع الجهات الحكومية، المموّلين، التعاونيات الأخرى، الخ... لكن عدداً من النساء أثبت نجاحاً بتجاوز هذه العقبات من خلال التجربة، إضافة إلى الدورات التدريبية التي قامت بها بعض المنظمات غير الحكومية.
في الواقع، تتخطّى أهمية هذه المشاريع موضوع تمكين المرأة اقتصادياً لتطال موضوع دعم المنتجات الصحية، الطبيعية والتراثية، ونقلها إلى الجيل الشاب. تتحمّس ليا وهبة، الفتاة العشرينية من جمعية «Slow food Beirut»، وهي تسألني «مين بعدو بيسمع بالفريكة اليوم مثلاً؟»، مفسرةً فوائد دعم صغار المنتجين وتسويق منتجاتهم.
يبقى أن الواقع ليس دائماً بهذه المثالية. فعلى أهمية بعض التعاونيات، تكمن المشكلة الأكبر في عدم تبلور وعي مطلبي جماعي من خلال تأسيس اتحاد نقابات وتعاونيات زراعية تمثّل قوة ضغط تفرض مطالبها على الدولة.