القمح المحمّص يفترش الطاولة. تتحلّق عشر نساء حوله، يفرزنه ويُزلن منه مخلّفات التحميص، من قطع خشبية صغيرة وأحجار تغفل عنها العين وتكسر الضرس سهواً... يتحادثن بشأن أحوالهنّ مع برودة الصباح، وهنّ منهمكات في العمل. إنها الفريكة، الأكلة الجنوبية ــــ الفلسطينية التي تكاد تختفي عن موائدنا. وهنّ نساء تعاونية دير قانون الجنوبية اللواتي يصنعن المربّيات على أنواعها، العصائر، والمقطرات الصحية، واللواتي اشتهرن بتصنيع ملّة السميد، الكعكة المصنوعة من البرغل والطحين والسمسم وزيت الزيتون... كعكة استخدمت تاريخياً لسدّ جوع زوّار الحج في طريقهم إلى مكّة.بدأ المشروع عام 1998 بعدما خضعت بعض النساء لدورة تدريبية على الطريقة الصحية لتصنيع هذه المنتجات البلدية. بعد أربع سنوات، تبلورت فكرة التعاونية الإنتاجية بعدما أصبح تطوير الإنتاج يحتاج إلى تجهيزات وماكينات لم يكنّ قادرات على شرائها. وتأسست التعاونية رسمياً عام 2005 مع 25 عضوة بمساعدة YMCA، المجلس الأعلى للجنوب، والبلدية التي خصصت لهنّ مكاناً للعمل. أهمية هذه المنتجات أنها بلدية تراثية، من دون مواد حافظة، وتخضع لمواصفات صحية عالمية اكتسبت النساء معرفتها بها خلال دورات تدريبية. تشرح رئيسة التعاونية دعد إسماعيل، المدعومة سياسياً من القوى المسيطرة في دير قانون، أن «المشروع لم يهدف فقط إلى تمكين النساء اقتصادياً من خلال تأمين الأرباح، بل له فائدة صحية بإيجاد بدائل عن منتجات السوق التجارية، تصريف محاصيل المزارعين وتحريك الدورة الاقتصادية في منطقتنا».
أما أم رواد، عضوة في التعاونية، فتحدثت عن تغيير نمط حياتها ونوعيتها بعدما بدأت العمل بدوام كامل في التعاونية. تسارع إلى طمأنتي إلى أنها قادرة على التوفيق بين البيت والعمل، شرط أن تنظّم حياتها التي لم تعد تسمح لـ«الصبحيات» اليومية! علاقتها مع زوجها وأولادها اختلفت عندما أصبحت تشارك في الإنفاق. فتؤكد ببسمة لم تفارق وجهها أن «التعاونية مش بس هون، بالبيت كمان، زوجي وولادي تعاونوا معي بالمهمات المنزلية».
بدورها، تؤكد أم حسن أهمية الاستقلال المادي في العائلة «مهما كان الزوج كريماً، مش هون القصة». لكنها أضافت أهمية هذه التعاونية في إعادة الأوصال بين نساء الضيعة من خلال العمل المشترك. إنهنّ متفقات على تقسيم الأرباح بطريقة متساوية وعادلة. يسجلن في دفتر ساعة بدء العمل وانتهائه، ويتقاسمن الغلّة آخر الشهر، حسب الأرباح الصافية للمبيعات. يتراوح مدخول النساء المداومات من 150 إلى 250 ألف ل.ل شهرياً... مبلغ متواضع ربما، لكنه يسدّ حاجة ويخلق نوعاً من الاستقلالية النسبيّة، وإعادة توزيع الأدوار في العائلة توزيعاً أكثر تساوياً.
وعند سؤالهن إذا كن يسمحن بانضمام رجال إلى تعاونياتهن، هزّت الريفيات رأسهنّ ليعربن عن قبول الفكرة، شرط أن تبقى التعاونية للتعاون بالفعل لا للسيطرة. ثمّ تستدرك إحداهنّ قائلة: «بس هنّي ما بيشتغلو شغلنا!».
كارول...