جوان فرشخ بجالي Institut Français de l’Archéologie au Proche Orient.
مقر المركز على طريق الشام في الجهة المقابلة للمتحف الوطني. وسنة 1975، تحوّلت المنطقة بسرعة إلى خطوط تماس، وبدأ القصف يهدد المبنى ومحتوياته، فلجأ العالم الفرنسي إلى بعض أصدقاء له، طالباً منهم مساعدته لإخلاء مكتبة المبنى وإنقاذ مجموعتها الواسعة المتنوّعة من الكتب الفريدة. وبقي تات يشغل منصبه في بيروت من 1975 حتى 1990 وعمل خلال تلك المدة الطويلة مدرساً في الجامعات اللبنانية.
في سوريا، غيّر جورج تات في مجريات علم الآثار، وأعاد كتابة فقرات من تاريخ المدن والقرى السورية في الحقبة البيزنطية. فقبل وصوله إلى منطقة «القرى الميّتة» في شمال سوريا، كان المعتَقد السائد أن تلك مدن منسية. لكن تات لم يقبل بهذه النظرية وبدأت عمليات التنقيب في سرجيلا وغيرها من القرى البيزنطية لتكشف عن أن تلك البيوت المبنية بالحجر الصلب كانت جزءاً من قرى عرف أهلها الثراء لفترة طويلة. ثم بدأ تات العمل وإتمام الدراسات المعمّقة لمعرفة سبب هجرة أهل تلك المنطقة والرحيل عن بيوتهم، بعدما أخذوا معهم كامل أمتعتهم وخلّفوا وراءهم الحجارة. وقدّم تات عدداً من النظريات حول الأسباب الاقتصادية والسياسية والأوبئة والتغير الديموغرافي لهذا الرحيل الذي غيّر تاريخ منطقة شمال سوريا التي عرفت من بعده مئات السنين من الفقر. عملُ جورج تات في «القرى الميّتة» في سوريا قد يوصل إلى تصنيف تلك المنطقة على لائحة التراث العالمي لليونسكو، ما سمح للسلطات السورية بتصنيف المنطقة على اللائحة السياحية وتنشيط الدورة الاقتصادية هناك.
في العراق، شغل جورج تات منصب مستشار الشؤون الثقافية في السفارة الفرنسية منذ 2004، وحاول جاهداً تقديم المساعدات العلمية والأكاديمية لموظفي الهيئة العليا للآثار والمتاحف في العراق. فكان يعمل على تحصيل الهبات التعليمية في الجامعات ويحاول إرسال أكبر عدد ممكن من الاختصاصيين لتدريبهم في فرنسا على التقنيات الحديثة المتبعة في الترميم والتأهيل.
من كان يعرف جورج تات يدرك أنه إنسان يؤمن أولاً وأخيراً بالحوار والتبادل الفكري. هو العالم اللامع الذي كان يشهد له بتواضعه ورحابة صدره وحبّه للمساعدة. وهو الشاهد على الحروب وعمليات القتل، أرّخ «الحملات الصليبية» في كتابه «شرق الحروب الصليبية» (L’Orient des Croisades)، الذي نشرته دار «غاليمار» الفرنسية وترجم إلى العربية. وقد أغنى المكتبات بعدد من المقالات العلمية عن مختلف المواقع الأثرية في لبنان وسوريا، وكان له مؤخراً كتاب عن حياة الإمبرطور البيزنطي «جوستينيان» وتُرجم إلى الإيطالية.
تميّزت دراسات جورج تات بقدرته على رؤية نظرية الآخر ورأيه وسعيه لإبرازه إبرازاً متوازناً وعلمياً. غاب جورج تات ولكن ذكراه حية.