بدأت التحضيرات لبناء مبنى جديد لسجناء زحلة أوائل عام 2007، لكنها توقفت قبل شهر تقريباً. تعديلات أدخلت على المشروع لتغيير ظروف الحياة في السجن، والشركة المتعهدة تطلب الضوء الأخضر لمتابعة العمل
زحلة ــ نقولا أبو رجيلي
ما زال أكثر من 230 سجيناً من نزلاء سجن زحلة، ينتظرون إعداد المبنى الجديد، الذي سينتقلون إليه. المبنى الحالي كان مركزاً لبلدية المدينة قبل أن يتحول إلى سجن.
المبنى الذي شُيّد في حيّ سكني يكتظّ بأهل المدينة، صمّم في الأساس كي يكون مقراً لتصريف أعمال المواطنين. وبعد تحوّله إلى سجن، بقي ضجيج السكان في الخارج يؤرق السجناء الذين تصلهم الأصوات من الخارج، فيما يقبعون هم في خمس غرف، لا تتجاوز مساحتها 200 متر.
يقع السجن على ارتفاع أكثر من 1150 متراً عن سطح البحر. لم تتدارك إدارة السجن هذا الأمر، فبقيت أروقته خالية من أي نظام تدفئة في الشتاء، أو تبريد في الصيف، لذا اقتضى نقل السجناء إلى مبنى جديد، وقد بدأ العمل الجدي في هذا الإطار منذ أوائل عام 2007، وذلك بعد جهود حثيثة بذلتها المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بالتعاون مع بلدية زحله المعلّقة التي وهبت قطعة أرض بمساحة 3000 متر مربع، تقع في الجهة الشرقية من مدينة زحلة (تعاونية البيض سابقاً).
في سياق متصل، تولّت جمعية «فرح العطاء» عملية الإشراف الفني على المشروع. انطلق العمل حينها، وسار كل شيء على ما يرام، إلى أن توقفت شركة المقاولات التي تعهدت بإنجاز المبنى عن أعمال البناء، وذلك رغم تعهداتها بتسليمه أواخر شهر أيار من عام 2008، فمدّدت المهلة المعطاة للشركة ثلاثة شهور إضافية (أي حتى آب 2008)، ومنذ ذلك الحين لم تُستأنف عملية البناء.
شتاء آخر قضاه السجناء في المبنى القديم، وذلك بعدما تم إدخال تعديلات على خطة البناء، لم تكن ملحوظة في الدراسات الأولية، والهدف منها مقاربة المواصفات المعتمدة عالمياً، كما أوضح المهندس نديم أبو ديب لـ«الأخبار».
تنبهت الشركة المتعهدة إلى ضرورة عدم الوقوع في الأخطاء السابقة، التي أودت بمصائر السجناء إلى الأمراض، لكن عملية التأخير «غير مفهومة» بالنسبة إلى نزلاء السجن الحالي القابعين تحت رحمة أشعة الشمس، كل ما يرجونه هو ألا يباغتهم الشتاء مجدداً بصقيعه البارد، وهم في المبنى الحالي.
نديم أبو ديب، أحد أصحاب شركة المقاولات المكلفة بالتنفيذ، لفت إلى أن هذه الملحقات التي تأخر قيام المبنى بسببها، ستشمل عدة ملحقات أساسية في تكوين السجن الداخلي. من المُفترض أن يحوي المبنى الجديد مبنى إدارياً لتخليص بعض المعاملات فيه، إضافة إلى مطبخ والمتممات الميكانيكية والكهربائية. وربما يستطيع بعض السجناء، من أصحاب الأحكام الطويلة، تقبّل فكرة الانتظار قليلاً، إذا عرفوا بكل هذه الإضافات، لكنهم، على الأرجح، لا يعرفون شيئاً عن أحوال سجنهم الجديد.
في إطار منفصل، أشار أبو ديب، وهو أيضاً المهندس المشرف على المشروع، إلى أن المواصفات العصرية، تلزم الاهتمام بأسوار السجن الخارجية أيضاً، لا في داخله فقط، حيث سيلزم الأمر بناء بعض التحصينات في السور الخارجي وأبراج الحراسة، إضافة إلى تعديلات تتعلق بتقسيم الغرف والمماشي في الداخل، كانت مصلحة الأبنية في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي قد طالبت بإدخالها، من بينها ضرورة لحظ بعض التصاميم التي تراعي حركة تنقّل السجناء ورجال الأمن، وتعتبر الأسباب الأمنية من العوامل التي أدت إلى التأخر في إنجاز البناء على ما يبدو.
رغم التأخير، وهذه التعديلات المهمة، فإن الشركة المتعهدة وفقاً لأبي ديب، أنجزت القسم الأكبر من بناء السجن، في صيف العام المنصرم (2008)، وأكد أبو ديب أن المديرية العامة لقوى الامن الداخلي هي التي طلبت ذلك، بانتظار موافقة مجلس الوزراء على صرف الاعتمادات الإضافية اللازمة، ليتم في مرحلة ثانية استكمال أعمال بناء السجن، التي من المفترض أن تنتهي خلال ستة أشهر كحد أقصى بعد الموافقة على متابعة التنفيذ، على أن يكون جاهزاً لاستيعاب ما بين 235 و250 نزيلاً. وتمنى أبو ديب على المعنيين الإسراع ببت الموضوع، وإخراج الملف من الروتين الإداري، ولا سيما أن مجلس الوزراء «قد وقّع على صرف الاعتمادات الإضافية التي لحظتها الدراسات النهائية»، لافتاً إلى أن أي تأخير في هذا الخصوص «سيؤدي إلى زيادة التكاليف المادية على مؤسسته»، وأن هذه المبالغ تضاف إلى ما كان قد تحمّله من خسائر، نتيجة التأخير وارتفاع أسعار مواد البناء منذ تاريخ رسوّ المناقصة على شركته عام 2003. وبعيداً عن الإجراءات الإدارية الروتينية، نفى مسؤول أمني متابع لأوضاع السجون في زحلة، في حديث مع «الأخبار»، علمه بالأسباب التي حالت دون استكمال تنفيذ مشروع بناء السجن الجديد، موضحاً أن هذا الأمر خارج عن صلاحيته، ويعود أمر بتّه إلى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي. لكن، وفي السياق ذاته، لفت مسؤول في مصلحة متابعة تنفيذ القرارات في الأمانة العامة لمجلس الوزراء إلى أن الاعتمادات قد نُقلت إلى وزارة الداخلية، تمهيداً لخضوعها للدراسة في الديوان والمراقبة المالية، حتى يصار إلى استكمال بناء سجن الرجال الجديد في زحلة.
السجناء الرجال ليسوا وحدهم من سينتقلون إلى المبنى الجديد. سبقتهم النساء السجينات في زحلة إليه، وحصلن على حصّتهنّ من المباني الجديدة أيضاً. وقد لفت مسؤول أمني إلى أن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي خصّصت قسماً من مبنى المستشفى الحكومي في حيّ المعلقة ـــــ زحلة، بغية استخدامه سجناً للنساء بدلاً من السجن القديم، فباشرت بعد الانتهاء من ترميم القسم المذكور بنقل نحو 25 نزيلة (منذ ما يقارب الشهر) وزّعن على أربع غرف، تتمتع بمواصفات صحية مقبولة من ناحية المساحة والحمامات والتهوئة والنظافة. وعلمت «الأخبار» من مسؤول أمني، أن الغرف الجديدة، جهّزت لاستقبال نحو 100 سجينة كحد أقصى، فيما يضم المبنى 3 غرف أخرى خصّصت إحداها لمديرة السجن، والغرفتان الباقيتان تستخدمان للمنامة من قبل 6 حارسات من اللواتي تمّ تعيينهنّ حديثاً، يتناوبن على الحراسة في الداخل، أما من الخارج فالحراسة تقع على عاتق عناصر قوى الأمن الداخلي... الذين ينتظرون مبنى الرجال الجديد، كما ينتظره السجناء تماماً.


من «الداخلية» إلى «العدل»؟

نقل مقربون من وزير الداخلية والبلديات، المحامي زياد بارود، إصرار الأخير على التأكد من تطابق المبنى الجديد لسجن زحلة مع المعايير الحقوقية والإنسانية المعتمدة في هذا الإطار. وتشير أوساط الوزير إلى أن بارود يشدد على تلائم الهيكلية الجديدة للسجون مع الاتفاقيات الأممية التي وقّع لبنان عليها، ما قد يبرر التوقف البسيط في متابعة أعمال البناء، ما دام الهدف من ذلك دراسة الوضعية الجديدة للسجن، ومقارنتها مع المعايير المناسبة. كما نقل المقربون عن الوزير رفضه للمعالجات الشكلية التي كانت تحصل في الماضي، معلنين خطة عمل يُفترض أن تستمر على مدى خمس سنوات، وتؤدي في نتائجها إلى انتقال إدارة السجون، من وزارة الداخلية والبلديات إلى وزارة العدل، علماً بأن الخطة تجري بإشراف الأمم المتحدة، وذلك بهدف تحديد صلاحية المؤسسات المولجة متابعة شؤون السجناء، وفقاً لما تقتضيه المواصفات العالمية، التي تولي الكفاءة المهنية في الإدارة أهميةً قصوى، كما أكد المقربون من الوزير.