انتهى يوم الحرائق الطويل، أمس، بإخمادها في كل مكان اندلعت فيه، إلا في عكار. فقد استأنفت النيران نشاطها بعيد إطفائها مساء الأربعاء، خلال جولة المروحية اليتيمة التابعة للجيش اللبناني والتي عملت بجهد متواصل إلى جانب آليات الدفاع المدني على الأرض طوال النهار، من دون السيطرة الكاملة على النيران المتنقّلة بين بساتين وأحراج البيرة والمجدل والسنديانة، التي أشرق النهار عليها وقد صارت رماداً
عكار ــ روبير عبد الله
انطفأت النيران أخيراً. ليلة طويلة متصلة بنهار أول من أمس الأطول على أهالي عكّار ومزارعيها. وطلع صباح أمس بغير ما اعتادته أعين أهالي المجدل والسنديانة، إذ تحولت أراضيهم الخضراء إلى سواد كالح، تفوح منه رائحة الدخان الذي ظل يتصاعد حتى ساعات الفجر الأولى. وبدل الذهاب إلى العمل اليومي، راح المنكوبون يتفقّدون ما عجزوا عن احتسابه ليلة البارحة، بين صخب فرق الدفاع المدني وعناصر الجيش وهدير المروحية العسكرية الوحيدة التي تنقل المياه لإخماد ما أمكن من النيران.
الخسائر كبيرة جداً كمّاً ونوعاً، إذ تحولت مساحات شاسعة من الغابات إلى رماد. تركت آلاف الأشجار المثمرة من زيتون ولوز وتين وخلافه مكانها لما يشبه أشباحها. مشهد كابوسي مترامي الأطراف. ولم تتوقف الخسائر على الشجر، فأصيب أشخاص بجروح ورضوض في محلّة دنكة بالقرب من البيرة خلال مشاركتهم في عمليات الإطفاء. ونقل شخصان إلى المستشفى بسبب حروق تعرضا لها في أحراج المجدل.
وكان الحريق الأكبر قد بدأ في المجدل، حيث كانت امرأة ستينية تقوم بحرق بقايا زراعية في العاشرة من صباح الأربعاء، وأفلت لجام النار من يدها ليمتد بسرعة الضوء إلى البساتين المجاورة المزروعة بالزيتون واللوز والعنب. وبعد ذلك، أخذتها الرياح صعوداً لتحرق بساتين الخضار، ومشاريع البيوت البلاستيكية. هناك نشط الأهالي، بعدما استوعبوا هول ما يجري، فسارع أصحاب الأراضي أولاً لعلّهم يتمكّنون من تطويق انتشار النار، لكنها امتدت لتحرق بستان سيف الدين يحيى ومن بعده بساتين كل من أحمد خالد ومصطفى دياب ومصطفى عثمان. ولما لم يتمكنوا من إخماد الحرائق ولا من وقف سرعة انتشارها اتصلوا بمركز الدفاع المدني في البيرة القريبة أيضاً من المجدل، فاتصل بدوره بباقي المراكز وبقيادة الجيش لأن عناصره كانوا لا يستطيعون السيطرة على الحرائق في أكثر من مكان.
وصلت سيارات الإطفاء من معظم مراكز الدفاع المدني في منطقة الدريب العكارية، وبدأ المتطوعون بإخماد الحرائق. لكنهم كانوا يقفون عاجزين عندما يمتد الحريق إلى مسافات تبعد كثيراً عن الطريق. دخلت عناصر الجيش اللبناني بكثافة على خط عمليات إطفاء الحرائق، ثم لحقتهم مروحية للجيش مزودة بخزان مياه لا يتسع إلا لمئتي ليتر. وعلى الرغم من ذلك، فقد كان للمروحية فعالية كبيرة بسبب قرب بحيرة الكواشرة من موقع الحريق.
أبو أيمن حمد كان آتياً لتوّه من طرابلس، وجد أن بستانه قد احترق بما فيه من أشجار الزيتون واللوز والتين والعنب التي عمد إلى زراعتها منذ عشر سنوات عندما أنهى خدمته العسكرية. وقد فوجئ بأن رئيس بلدية السنديانة لم يقم بالإجراءات المطلوبة لجهة الاتصال بوسائل الإعلام لتغطية الكارثة التي حلّت به. وأبدى استياءً وغضباً لكون الدرك لم يتدخل سريعاً لملاحقة الفاعلين قبل زوال الأدلة أو هرب الفاعلين أو المسبّبين، وخصوصاً أن النيران ابتدأت من بلدة المجدل، وعلى أبناء تلك البلدة في رأيه تحمل المسؤولية.
فجأة، دبت الفوضى، وتطاول البعض على عناصر الجيش اللبناني وعناصر الدفاع المدني بسبب فلتان الحرائق والخوف من آثار ذلك، هكذا أوقف الدرك أحمد محمد العباس من السنديانة بسبب تهجّمه على آلية للدفاع المدني التي رأى أنها لا تولي أرضه الاهتمام الكافي. كذلك علا صراخ أهالي السنديانة بسبب تمركز الإعلاميين في المجدل لمتابعة التغطية هناك، بعدما استأنفت ألسنة النيران التهامها للأحراج فيها، ومنها امتدت لتبلغ أراضي بلدة السنديانة المجاورة. وهناك كانت الكارثة الأكبر حيث انتشرت النيران، كما يقول أبو أحمد عباس من «الضهر إلى النهر» في مساحة تفوق وفق تقديراته العشرين هكتاراً.
أنهت آليات الدفاع المدني أعمالها قبل السابعة مساء وانسحبت إلى مراكزها بعدما صارت النيران بعيدة عن متناولها. وبقيت المروحية تعمل وحدها، وعناصر الجيش والأهالي يراقبونها من بعيد. وعندما حلّ الليل انسحبت المروحية. وما هي إلا دقائق حتى ارتفعت ألسنة اللهب في المكان نفسه الواقع في منطقة الزواريب بين النهر وتلة الزعيترة، واستمرت على هذا المنوال حتى أتت بالكامل على تلك التلة، فانطفأت النيران في منتصف الليل وحدها لأنه لم يعد هناك ما تأكله حسب أحمد عباس، مختار السنديانة.
بذل الجيش جهداً كبيراً، وزج بعدد كبير من عناصره في الجبال والوديان بين البيرة والمجدل والسنديانة، وتحرك الدفاع المدني بما يحوز من إمكانات متواضعة. لكن، تلك الجهود والتكاليف ذهبت هدراً لغياب خطة مرنة غير عالية الكلفة.
من جهة ثانية، تمكّنت أمس فرق الدفاع المدني في مراكز دده وأميون وكفرحاتا ورأس نحاس من إخماد سلسلة من الحرائق التي وقعت في قضاء الكورة قرب المنازل. وكان حريق خراج بلدة رأس مسقا، الأكثر حجماً إذ أتى على مساحة 5 آلاف م2 من الأعشاب اليابسة والبلان. كذلك، اندلعت النيران في الأشجار المثمرة في خراج بلدة النخلة وخراج بلدة كفرحاتا ـــــ الكورة. وكانت لجنة البيئة في «تجمع الأطباء في لبنان» قد دعت في بيان أصدرته أمس إلى «تشكيل لجنة طوارئ لمواجهة الحرائق بالتنسيق بين وزارات البيئة والزراعة والداخلية والجمعيات الأهلية». وطالبت اللجنة الوزارات المعنية بـ«اعتماد مبادئ الحماية والمراقبة لمنع الحرائق ولمعالجتها في مهدها».