بعد 35 عاماً من الانقطاع، يعود «الهايد بارك» إلى الأميركية. اليوم، يستعيد نجوم الحركة الطالبية في السبعينيات الطقس الجامعي العريقفي الستينيات من القرن الماضي، استهوت فكرة «الهايد بارك» الإنكليزي طلاباً في الجامعة الأميركية في بيروت كانوا قد زاروا بريطانيا، فحملوا معهم «زاوية المتحدثين» الشهيرة إلى حرم جامعتهم. هناك، أمام مبنى الوست هول، كانوا يتناوبون كل نهار خميس على ميكروفون تجاوز صوته جميع الأسقف وتنوّعت مواضيعه: من وجود الله إلى الحشد للقضية الفلسطينية، حتى الامتحانات والصدامات مع الإدارة. استمر صوت الميكروفون يصدح من عام 69 حتى عام 1974 حين أخرسه إضراب كبير هزّ الجامعة، تلته حرب ممتدة بلعت البلد في دوّامة من العنف استمرت ستة عشر عاماً.
يتعذّر الحديث عن الحركة الطالبية في لبنان من دون الدخول من بوابة تلك الحركة في الجامعة الأميركية. فهناك بدأت حركة القوميين العرب، وهناك احتدمت النقاشات خلال فترات المخاض السياسي والاستحقاقات العربية الكبرى. انطلاقاً من هذا الواقع، قرّر مكرم رباح، أحد متخرّجي الجامعة، إعداد رسالة الماجيستر عن الحركة الطالبية، ونشرها في كتاب يوقّعه عند الساعة السادسة من مساء اليوم، تحت عنوان «حروب على حرم الجامعة: الحركات السياسية لطلاب الأميركية في السبعينيات». وبما أن التوقيع يصادف خلال أسبوع التلاقي السنوي الذي تنظمه الجامعة لمتخرّجيها القدامى، فقد اقترح رباح أن تواكب التوقيع استعادة «حيّة» لهذه الحركة، من خلال نجومها ورموزها الذين سيكونون حاضرين، «لنذكّر الطلاب الحاليين بهذا الطقس القديم، وبروحيته، لعلّهم يعتنقونه»، كما يقول. فقد دعت الجامعة رؤساء مجالس الطلبة في حقبة السبعينيات، الذين كانوا «ثورجية عصرن»، كما يصفهم رباح، إلى الحضور والتحدث كلّ في قضية كان يتحدث بها وقتذاك. هكذا، سيتناوب الوزير السابق في السلطة الفلسطينية، وأحد الكوادر الأساسيين في فتح، ماهر المصري (1970ـــــ1971)، وفؤاد بوارشي (1969، عام ولادة الهايد بارك في الأميركية ـــــ 1970)، ومحامي الرئيس الشهيد رفيق الحريري، محمد فريد مطر (1974)، على الميكروفون، إضافة إلى عميد الطلاب مارون كسرواني وعميد الطلاب السابق فوزي الحاج، والعضو السابق في مجلس الطلبة جاك أكمكجي، إلى أن يفسح المجال في النهاية إلى الطلاب ليشاركوا في النقاش وفي الإدلاء بآرائهم أو إثارة قضايا تهمّهم.
يأمل رباح أن يتحمّس الطلاب لتجربة الهايد بارك وأن يستعيدوا الطقس، لكونه «إحدى أهم المؤسسات الديموقراطية لدينا في الجامعة»، كما يقول، لافتاً إلى أنه استخلص من أبحاثه التي أجراها خلال إعداده رسالته أن الإدارة كانت قد شجعت التجربة في أواخر الستينيات، لما تقدمه من مساحة حرة للطلاب «لينفّسوا الجو». إلا أنه يحتفظ بواقعية عملانية وهو يعبّر عن أمله هذا حين يعترف بأن «الحركة الطالبية لم تعد اليوم موحّدة حول ثورة ما أو قضية مطلبية. وما حدث في غزة أخيراً أكبر دليل على ذلك، إضافة إلى أن لكل عصر أدواته، وهذه الأدوات قد تغيّرت كثيراً اليوم، حيث أصبح هناك مساحات كثيرة أخرى تفاعلية غير الباحات العامة، كالمنتديات والمدوّنات على الإنترنت». إذاً، الكرة في ملعب الطلاب.
رنا...