إيلي شلهوب


لإرسال رسالة الى المحرر، انقر هنا

... أما وقد وضعت الأزمة الإيرانية أوزارها (ولو مؤقتاً)، فلا بد من مجموعة ملاحظات تتلمس حركة الربح والخسارة، وتستعيد بعض السجال الذي رافق الانقسام بشأن نتائج انتخابات الرئاسة. يبدو واضحاً أن هذه المعركة انتهت إلى نصر لا لبس فيه لفريق نجاد المدعوم من خامنئي. المؤشر الأساس لهذا الفوز ما صدر عن رفسنجاني، عراب الفريق المنافس، من رفض لـ«الفتنة»، وتأكيد الولاء المطلق للمرشد. أراد رفسنجاني، ومن لفّ لفّه، على ما بات جلياً، تأليف قوة موازية لخامنئي، تفرض بالحد الأدنى توازناً في السلطة، كخطوة أولية في طريق طويل يؤدي في نهاية المطاف إلى تقييد صلاحيات المرشد. ولهذه الغاية، وقع خياره على موسوي الذي يتمتع بمجموعة صفات تؤهله للقيام بهذا الدور: شخصية قوية وقدرة على تحدي المرشد. وغياب عن السلطة لأكثر من عقدين (سجل نظيف). وهو من الرعيل الأول للثورة (يتمتع بمشروعية تاريخية). غير أن حسابات الحقل لم تماثل حسابات البيدر.
ومع ذلك، فإن نجاد خرج من المعركة جريحاً. صحيح أنه فاز، بحسب النتائج الرسمية، بأكثر من 11 مليون صوت على منافسه الإصلاحي. لكنه سيبقى يواجه تشكيكاً بشرعيته، في ظل عدم تسليم موسوي بالهزيمة وإصراره على أن الفوز قد سُرق منه.
أما النظام فلا شك في أن صورته، باعتباره نظاماً شفافاً تنتقل السلطة فيه بسلاسة، قد اهتزت، ومعها هالة المرشد، فضلاً عن أنه اضطر إلى استخدام قبضته الحديدية بشكلها الفجّ، إضافة إلى ما كشفته الأزمة الأخيرة من وجود انقسام أفقي في صفوفه. لكنه في المقابل نجح في الاختبار الأمني، إن من حيث تمكنه من جمع معلومات، قبل أشهر من يوم الاقتراع، عن السيناريو الذي طبقته المعارضة مع بدء فرز الأصوات (كشفها خامنئي في خطاب في 21 آذار). أو من حيث قدرته على جمع ملفات لقادة من المعارضة من غير الصف الأول في شأن اتصالاتهم بمؤسسات وأجهزة أجنبية. أو من حيث نجاحه في ضبط حركة الاحتجاج في الشارع وإنهائها في خلال أيام. ولحسن حظه، ما جرى خلال الفترة الماضية أخرج خلايا المعارضة من مخابئها وكشفها كاملة أمام أجهزته الأمنية التي لا شك في أن الكثير من العمل ينتظرها على مدى الأسابيع والأشهر المقبلة.
وهنا لا بد من التأكيد أن ما حصل في إيران ما هو إلا معركة داخلية بين جناحين أساسيين من أجنحة النظام. صراع ضمن العائلة الواحدة. حتى المرشد أكد ذلك في خطبة الجمعة الشهيرة عندما تحدث عن أن جميع المرشحين تحت عباءة الثورة، خاصاً رفسنجاني بوصفه «أحد أعمدتها». تصريحات خامنئي لا بد من أنها جاءت رداً على المعادلة التي أرساها بعض السذّج في ذلك الحين: كل من يؤيد نجاد مع الثورة، وكل من يعارضه معادٍ لها. وجه السذاجة في اعتبار رفسنجاني وموسوي وخاتمي وكروبي، الذين حكموا إيران (أو شاركوا في حكمها) لمدة 26 من أصل 30 عاماً من عمرها، معادين للثورة (لو أن الأمر كذلك، فيا حسرتاه على هذه الثورة).
بعض هؤلاء برروا تخوين فريق المعارضة برغبته في استئناف العلاقة الدبلوماسية مع أميركا والحوار مع الغرب والتهدئة مع إسرائيل. كان اصطفافهم المطلق خلف نجاد من دون الاستعداد حتى للاستماع إلى وجهة نظر الفريق الآخر تحت شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، رغم ما حملته هذه المقولة من ويلات على شعوبنا العربية. نسوا، أو تناسوا، أن إيران تبقى فارسية، بمعنى أن حساباتها مصلحية أكثر منها أيديولوجية، ويمكن أن تكون موضع خلاف بين الأجنحة المختلفة للنظام. لا يعني ذلك طبعاً أن فريق المعارضة لم يحو تيارات معادية للثورة استغلت الموقف للاصطياد في الماء العكر وزرع المشاغبين، من أمثال «مجاهدي خلق». ولا يعني نفي وجود شخصيات بينها فتحت علاقات مع أجهزة استخبارات أجنبية طلباً للدعم والمساعدة.
الأهم من ذلك كله النظر في دلالات وقوف المرشد بهذه الصلابة إلى جانب نجاد. هناك عاملان أوجبا ذلك: الأول، أن السنوات الأربع الماضية كانت المرة الأولى التي يتمكن فيها خامنئي من الحكم في ظل رئيس بهذا القدر من المطواعية، بعدما تشارك السلطة مع رفسنجاني وخاتمي خلال الأعوام الـ16 التي سبقت تولي نجاد السلطة. أما الثاني، فهو إدراكه مدى حساسية السنوات المقبلة لناحية مستقبل إيران ونزعتها الإمبراطورية (التقديرات كلها تفيد بأن طهران قاب قوسين من امتلاك القدرة الكاملة على تصنيع القنبلة النووية). وبالتالي فإن من مصلحة خامنئي إبقاء الرئيس الطيّع هذا في الحكم؛ فهو غير مستعد، على ما يبدو، للسماح بنزاعات داخلية وخلافات في الرأي بين أركان السلطة تضيّع الفرصة، وخاصة في ظل سياسة اليد الممدودة التي يعتمدها باراك أوباما، واستعداد الفريق المعارض لملاقاتها.
التسوية التاريخية مع «الشيطان الأكبر» لا تزال خارج الحسابات الإيرانية، على المستوى الرسمي (موقف خامنئي)، وعلى المستوى الشعبي (شعبوية نجاد).
«الله يستر».