رضوان مرتضىنُقل أحمد (14 عاماً) إلى المستشفى بعد تناوله جرعة زائدة من مادة الهيرويين. أحمد هو اسم مستعار، لفتى عمره 14 عاماً فقط. خاف ابن خالته بشير (اسم مستعار أيضاً) أن يتكرر ما حصل لقريبه مع آخرين، فسارع إلى إبلاغ تحرٍ يعمل في مكتب مكافحة المخدّرات عن ثلاثة شبان يروّجون هذه المادة في الحي الذي يُقيم فيه. دهمت قوة من المكتب المذكور شقتين في الحي، وألقت القبض على الشبان الثلاثة. يقع الحي المذكور في أحد أزقة بيروت الداخلية، التي شهدت اشتباكات مسلّحة (سياسية) أخيراً، وأدّت إلى قتيل وعدد من الجرحى. يتحدّث بشير عن انتشار الظاهرة بين 200 شاب وفتى في الحي. «أكثر من نصفهم يتعاطى «الأورايين» ويدخّن حشيشة الكيف»، والأورايين هو اللفظ الشعبي المتداول لمادة الهيرويين القاتلة. يستغرب بشير اعتزاز الشبان المتعاطين بفعلتهم، مؤكداً أنهم يتباهون بمن يمكنه أن «يسحب» أكثر (شمّاً أو تدخيناً)، حيث يعتبرونه الأكثر رجولة. ويلفت إلى أن «الأوراينجي» تحوّل إلى «جغل» في أوساط هؤلاء، بعدما كانت تلك الصفة وصمة عار كفيلة بنبذ صاحبها اجتماعياً.
ثلاثون ألف ليرة هي سعر الغرام الواحد من تلك المادة البيضاء، وهو السعر المتعارف عليه بين شبّان الحي إذا أردت الحصول عليه من «تجّار بيروت». إلا أن سمير (اسم مستعار 17 عاماً)، اكتشف وسيلة جديدة تسمح له بتوفير 20 ألف ليرة في الغرام. «تعرّفت إلى تاجر في بعلبك يوفّر لي الغرام بـ10 آلاف ليرة، لذلك صرت ورفاقي نجمع المال ليصير المشوار حرزان كرمال مصاريف الطريق». وفقاً لحسابات الشاب المدمن، «المشوار الحرزان»، إذا تعدّى الطلب 10 غرامات، ما يعني توفير 200 ألف ليرة من دون حساب المواصلات في كل زيارة إلى بعلبك على الأقل. يلفت سمير إلى أنه غالباً ما تكون بدايات المتعاطي مع «نخع الزيح»، وهو مصطلح متعارف عليه لدى «الأوريانجية»، وهو كناية عن عملية شمّ «الأورايين»، في إشارة إلى أن الغرام عبارة عن 10 زيوح، وتتفاوت كمية تعاطيه بين شخص وآخر تبعاً للفترة الزمنية التي قطعها المتعاطي. فالمتعاطي الجديد يكفيه غرام ليومين، أما الذي مرّت فترة طويلة على تعاطيه، فهو بحاجة إلى 4 أو 5 غرامات يومياً. وتُطلق «الشلّة» على الشخص الذي يستهلك الكمية الأكبر اسم الـ«كينغ»، «لأنه صاحب راس كبير»، حسب سمير. ويستفيض المتعاطي الشاب ليؤكد أن الأمر يبدأ بواسطة الشم، ثم يتطور إلى الحقن في شرايين اليد والقدم. أما عن كيفية صنع الحقنة فيقول: «تضاف رشّة حامض إلى نصف غرام هيرويين، ثم توضع على ملعقة ويجري تسخينها فوق شمعة إلى أن تذوب المواد»، بعد ذلك تُسحب المواد المُذابة بحقنة الـ5 ملل». حينها، وبعد أن ينساب الهيرويين في الدم، يصاب المتعاطي بالدوخة إذا كان العيار ثقيلاً. الدوخة نفسها التي شعر بها أحمد قبل أن يفقد وعيه.
لم يتمكن أحمد من إتمام عامه الدراسي، ولم يذهب إلى الامتحانات الرسمية لنيل الشهادة المتوسطة، بسبب خضوعه للعلاج للتخلّص من الآثار الجانبية السامة للمادة المخدّرة. وتبيّن للمحققين أنه مدمن عليها منذ حوالى سنة. بدأ الأمر بالتدخين، ثم انتقل إلى الحشيشة، قبل أن يوشك على الموت بسبب جرعة زائدة من الهيرويين.