لا يحتاج موسم البرغش إلى لوحات إعلانية تروج لمنتجات تكافح انتشاره. فالبرغش، يعلن عن نفسه، في كل مكان، عقصاً وتحويماً. أما البلديات فما زالت تحاربه بمولدات ضباب خاص يكافح المشكلة جزئياً.
بسام القنطار
تنشط البلديات في رش مبيدات البرغش التي تكثف غاراتها على البيوت مع اشتداد حرارة الطقس، في مختلف المناطق اللبنانية، من الساحل إلى الجبل مروراً بالسهل.
وفيما تبلغ الكلفة الشهرية لمكافحة البرغش داخل بيت لبناني مؤلف من خمس غرف، حوالى 20 دولاراً أميركياً، تثير آلات الرش التي تستخدمها البلديات هواجس عدة تتعلق بفعاليتها ومدى أمانها لمستخدميها وللبيئة المحيطة.
وتبلغ تكلفة الرش عبر ضخ الضباب الساخن حوالى 130 دولاراً لكل برميل، فيما تنخفض هذه الكلفة في حال استخدام تقنية ضخ الضباب البارد، وذلك بسبب استبدال المواد البترولية (المازوت والكاز) بالماء لإطلاق المبيدات في الجو. ولقد سوق هذه التقنية قبل ثلاثة أعوام خبير فني بريطاني عبر إحدى الشركات اللبنانية المعروفة، مدعياً أنها أقل ضرراً للبيئة.
وتنتج مولدات الضباب، بصرف النظر عن طريقة عملها على الطريقة الساخنة أو الباردة، قطيرات دقيقة، يصل حجمها إلى أقل من 25 ميكروناً باستعمال المستحضرات ذات القاعدة النفطية، وتزيد أحجام القطيرات قليلاً مع استخدام المستحضرات ذات القاعدة المائية.
وتحذر منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة من أخطار محتملة تصاحب استخدام هذه المولدات. إذ إن استنشاق الضباب يمكن أن يسبب مشاكل بحسب حجم القطريات، ويمكن أن يسبب أيضاً تسمم النباتات والأشجار. وفي اتصال مع «الأخبار» شكا مواطن في الحازمية من عدم تحذير البلدية للسكان، قبل استخدام مولد الضباب، وخصوصاً في ساعات الصباح.
وتعمل مولدات الضباب الساخنة عن طريق تبخير سائل المبيد الذي عادة ما يكون مذاباً مع المازوت أو الكاز في غرفة الإحراق، ثم يطرد عن طريق أنبوب خروج ليكوّن سحابة كثيفة من الضباب نتيجة تكثفه عند ملامسته الهواء البارد المحيط به. أما مولدات الضباب الباردة فتعمل عن طريق تفتيت مستحضر سائل الرش إلى حجم متناهٍ في الصغر، حتى يمكن الحصول على قطيرات حجمها الأوسط أقل من 50 ميكروناً.
رئيس دائرة الصيدلة النباتية في وزارة الزراعة محمد أبو زيد، نفى أي علاقة للوزارة بالإشراف على استخدام مبيدات البرغش، مشيراً إلى أن هذا الأمر من صلاحية وزارة الصحة العامة.
ولقد حاولت «الأخبار» الاتصال برئيس مصلحة الهندسة الصحية في وزارة الصحة فريد كرم، المسؤول عن هذا الملف، إلا أنها لم توفق في سماع رأيه.
وتشير المعلومات إلى أن السوق اللبناني يزخر بعشرات المبيدات المجازة من وزارتي الصحة والزراعة للاستخدام في مكافحة البرغش، لكن قلة من البلديات تستخدم مبيدات موجهة لليرقات في أماكن تفقيسها، بل تعمد إلى استخدام مبيدات الحشرة المكتملة عبر رش جنبات الطرق والمنازل، ولا يتورع بعضها عن رش المناطق الزراعية، الأمر الذي يؤدي إلى خسارة الكثير من عناصر التنوع البيولوجي، بل طائفة متنوعة من الكائنات التي تسهم في صمود النظم الإيكولوجية وإمكانياتها على التطور.
اختصاصية علم الحشرات في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتورة خزامى كنيعو طالبت البلديات «بضرورة تنبيه السكان قبل القيام بعمليات الرش، لأنه يجب أن تُغلق كل النوافذ لمنع تسرب الضباب الى المنازل».
وأضافت: «إن الحد من البرغش أو السيطرة عليه من الأمور الصعبة للغاية، ومن الأفضل التخلص في بداية شهر نيسان من كل عام، من مأوى البعوض، وخصوصاً في خزانات المياه. إضافة إلى منع تجمع المياه حول الأبنية وتنظيفها باستمرار في حمامات السباحة أو الأماكن التي تستخدمها الطيور للشرب. كما ينبغي منع ركود الماء لأيام عدة متتالية في الأوعية المستخدمة للنباتات».
وتنصح كنيعو بتربية كل أنواع الأشجار والنبات التي تنتج رائحة طاردة للبرغش، (زنزلخت، وياسمين، والنباتات العطرية) وتشير إلى أن هذه الروائح تخفف من البرغش لكنها لا تبعدها نهائياً. كما تنصح باستخدام أقراص «الكاتول» خارج المنزل فقط بسبب دخانها الكثيف، مع ضرورة التنبه إلى تهوئة الغرف دائماً في حال استخدام مبيدات حشرية عن طريق الرش أو الحرق.
وتشير كنيعو إلى أن البرغشة لا تستطيع أن تتحرك براحة في النهار وذلك لارتفاع الحرارة، لذلك تنشط كثيراً في ساعات الصباح الأولى وعند المغيب. وتوضح أن أنثى البعوضيات هي وحدها التي تتغذى على الدم لأنه ضروري لنضج البيوض، فيما الذكر يتغذى على عصارة النباتات ورحيق الأزهار. ويتميز فم الأنثى بأنه مزوّد بأجزاء دقيقة تساعد على ثقب الجلد وامتصاص الدم. ومعظم الناس لديهم حساسية ضد لعاب البعوض، الذي يسبب الحكاك والحساسية. وتنتج هذه الحساسية من مواد تضخها أنثى البرغش في الجلد، منها ما يساعد على منع تخثر الدم أثناء امتصاصه، وأخرى تساعد على تخفيف الشعور باللسعة إلا بعد مرور وقت يسمح للبرغشة بالمغادرة.
وعكس ما يعتقد، تنفي كنيعو نمو البرغش في مستوعبات النفايات، المصدر الأساس لتكاثر الذباب. وتشير إلى أن «البرغش يفضل التكاثر في المياه النظيفة حيث تضع أنثى البعوض من 100ــــ 200 بيضة في المرة الواحدة ويكون ذلك كل 10 أيام. وإذا توافرت ظروف الحرارة والحماية يفقس البيض خلال أيام قليلة جداً، لذلك فإن الصيف هو الفصل المثالي للتكاثر».
وبحسب دراسة للخبيرة نفسها (2005)، فإن السبب الرئيسي لتكاثر البرغش في بيروت هو وجود خزانات مياه الشرب على أسطح الأبنية أو أسفلها. وعادة تترك هذه الخزانات مفتوحة أو نصف مغلقة، ما يمثّل فقاسة مثالية.
وبحسب كنيعو فإن «مياه الصرف الصحي لا تعتبر مكاناً مثالياً لتكاثر البرغش، وذلك لاحتوائها على كمية كبيرة من المواد الكميائية الناتجة من مواد التنظيف، لكن من المحتمل أن يتكاثر البرغش في مياه مبتذلة قليلة التلوث». ولا توافق كنيعو على الدراسات التي تقطع بأسباب انجذاب أنثى البعوض لجسم إنسان معين دون سواه. فبرأيها «هناك عوامل عدة تجذب البعوض إلى فريستها. وأقواها قوة فرز الجسم لثاني أوكسيد الكربون». وبحسب الدراسات فإن أنثى البرغش تنجذب أكثر إلى واحد من بين 10 أشخاص، لأسباب متعددة، منها درجة إفرازه ثاني أوكسيد الكربون والبروتين والدهون ورائحة الجلد وغيرها من العوامل. لكن أياً من الدراسات لم تتوصل إلى أسباب قاطعة ونهائية في هذا الموضوع.
وتزخر مواقع الإنترنت بعشرات النصائح لمكافحة البرغش، لكن كنيعو تعتبر أن الأفضل التركيز على مكافحة أسباب تكاثره. ومن نصائح الإنترنت: تنزيل برنامج يعمل على جهاز الخلوي، يصدر موجات فوق صوتية تطفش البرغش. لكن كنيعو التي لم تسمع بهذه التقنية من قبل تقول «تكفينا الذبذبات غير الصحية التي يسببها الخلوي طوال النهار. لذا أنصح بإبعاده عن غرف النوم طوال الوقت».


بعوض الشواطئ أشد فتكاً

بينت دراسة أعدتها عام 2005 اختصاصية علم الحشرات في الجامعة الأميركية د. خزامى كنيعو، وجود 12 نوعاً من البعوض في لبنان. وأظهرت عينه لـ1000 بعوضة، أن 80% من البرغش الذي يتكاثر في لبنان هو من نوع «كوليكس بيبينس» (Culex Pipiens) وترتفع هذه النسبة إلى 98% بين حشرات المنازل.
وتشير كنيعو إلى أن هذا النوع موجود في كل المناطق، لكن الشواطئ الصخرية اللبنانية تمثّل موئلاً لنوع آخر من البرغش يسمى «أوشليراتوس كاسبيوس» (Ochlerotatus Caspius) الذي يتكاثر على الشواطئ الصخرية ذات البرك (الملاحات مثلاً في أنفة) التي تحوي مياهاً مالحة. وتثير لسعة هذا النوع، حساسية أشد من برغش المنازل.
وتعود كنيعو إلى الستينيات حين أطلقت في الأنهار اللبنانية مئات أسماك «جامبوسيا» التي تتغذى على يرقات البعوض، ما قضى على نسبة كبيرة منها، وخصوصاً «انوفيليس غامبيايي» Anopheles gambiae المسؤولة عن نقل الملاريا. وبحسب كنيعو فإن هذا النوع بات نادر الوجود، لكنه اكتشف منذ 7 سنوات في عين سعادة وبرمانا وجرت مكافحته.