حسان الزينالدكتور منير. يكفي أن نقول الاسم «الجزئي» هذا كي ندلّ عليه، كي يحضر كلّه، إسعافاً، طبيباً وسيرةً واسماً كاملاً. نصفُ اسمٍ اسمٌ كاملٌ. مِن يومه الأول في عيادة، حيث شاء أن تلتقي حارتا صور القديمة، على جانب طريق لا تفضي بالفقراء إلا إلى البحر، كتب ذاك الاسم، ولم يحتج إلى شهرة وإضافة. الدكتور منير. هذا كافٍ. كافٍ جدّاً. واستمر يكفيه، يفيض، عقوداً. نصف اسم يكفي لمدينة، لمنطقة كاملة، لمرضى قلب الدكتور منير. نصف اسم كافٍ لتكون طبيباً فقيراً، ونصف كلية لتكون إنساناً وقلباً. نصف اسم ونصف كلية لتكون طمأنينة مدينة.
والقلب يحتاج إلى صيانة. لا تكفي تعويذة الماضي. الماضي يحتاج إلى صيانة أيضاً. وقد بقينا، وما زلنا، أيتامَ أحلامنا وقلوبنا وماضينا، نعالج ما بقي من حياة، بالنسيان تارةً، وبالمرض أحياناً، وبالعيش بلا قضية دائماً. وها أنت تسقط بيننا، منّا، وقد بتنا مرضى بلا طبيب. بتنا لا ندرك الفارق بين الحلم والغباء، بين النضال والخيبة. كذلك بات كثيرون لا يدركون الفارق بين مستوصف أو مستشفى نقّال ودكتور بأتعاب.
وقد عرفنا، يا رفيق، منذ زمن أننا في المرض الأخير: الوطن. واستمررتَ تسأل عن الفقراء. الفقير يبقى فقيراً وهو طائفي. همست بذلك وتوجّعت أكثر من شدة الحلم. الحلم يبقى ألماً وهو لبناني. والدكتور منير يبقى طبيباً وهو يجمع الأمراض كي لا تصيب الآخرين.
مات الأطيب بيننا، مَن عرف الأمراضَ منذ زمن وعاشها مع الآخرين، وصادق القلوبَ منذ زمن، وعرف آخذها إلى حيث يجب أن تكون القلوب. الدكتور منير. هذا كافٍ لنتذكر أن مواجهة الفقر والأمراض والقتل وعبث الحرب بطلب العلم والتسامح. لنتذكر أن ثمة معنىً للمواجهة. الدكتور منير، طبيب الفقراء والقلب، والقلوب، قيمٌ مهما انهزمت وانهارت. والقلب ذاكرة. والفقر ذاكرة لم ينسها الدكتور منير.
الدكتور منير زيدان طبيب لا شفاء منه.