لم يحتج طارق إلى مسدّس أو بندقية ليتحوّل إلى «فارض خوات» على تجّار شارع الـ«بافيون» في منطقة الحمرا، فالرجل الأربعيني المريض استعمل الصراخ والشتائم والتهديد سلاحاً ليحصل على المال والسجائر... قد وضعت المحكمة المختصة أخيراً حداً لتصرفاته
لينا بحسون
الزبون ملك، وراحته هي الأولوية المطلقة في أي متجر، والتجار يدركون هذه المعادلة، ويعرفها أيضاً «فارض الخوات» في شارع الحمرا. إنه طارق (اسم مستعار من مواليد 1969) الذي اعتاد البعض رؤيته في شارع بافيون «يحتال» ليتسوّل المال والسجائر.
خلال الحرب اللبنانية أُصيب طارق في رأسه إصابة بالغة، ما سبّب له داء الصرع وصار يتعرض لنوبات عصبية تستدعي خضوعه للعلاج دائماً. وقد ورد في تحقيقات المحكمة، أن طارق الملقب بـ«حسين تنر» يعتاش من التبرعات التي يستحصل عليها من أصحاب المحالّ في منطقة الحمرا، وغالباً ما كان يطلب ألف ليرة وعلبة سجائر من كل محل. إلا أن هذا السلوك «تطوّر»، وصار طارق يفرض خوات مالية على التجار، وإذا رفض هؤلاء طلبه، كان يرميهم بوابل من الشتائم ويهددهم بالقتل، مسبباً الخوف للزبائن والمارة.
ضاق التجار ذرعاً بتصرفات طارق، فوقّعوا عريضة، مطالبين بوضع حد لتصرفاته ومنعه من دخول محالّهم. إلا أن طارق لم يرتدع، فقد تهجّم مجدداً على متجر، وحطم محتوياته، وتلفظ بعبارات نابية موبخاً العاملين فيه، ومن بينهم وسيم (اسم مستعار) الذي يعمل لدى تاجر دأب على إعطاء طارق ثمن الدواء «من باب الشفقة والحسنة». وعندما تأخر موظفو المتجر عن تلبية طلبه، تهجّم على أحدهم وسحب سكيناً وبدأ يلعب بها، ثم رمى لوحة من أثاث المتجر، وقلب طاولة المكتب، وعند إخراجه من المتجر انكسر باب الألومنيوم الرئيسي، وفق إفادة وسيم.
عندما حضر طارق إلى المتجر مجدداً وبيده سكين، اتصل وسيم بالقوى الأمنية، فحضر أفرادها، وعند وصولهم إلى شارع بافيون شاهدوا المتهم واقفاً وسط الشارع، «كان يلوّح بيده ويتفوّه بصوت عالٍ بكلام بذيء أمام المارة»، وفق ما جاء في المعلومات التي استندت إليها المحكمة.
أفاد وسيم أمام المحكمة بأن المتهم تهجم عليه وشتمه وشهر سكيناً في وجهه وطلب خوة مالية حتى لا يرتكب جريمة، ثم حطّم المكتب داخل المحل، وأضاف أن طارق شطّب وجهه ويديه وجسده بواسطة سكين.
اعترف المتهم عند استجوابه بأنه عاطل من العمل، ويتلقى المال من بعض الأشخاص الذين يرغبون بمساعدته نظراً لوضعه الصحي، الذي يستوجب تعاطيه للحبوب المخدرة دائماً، وأقرّ بأنه يشمّ مادة «التنر» عندما يعجز عن الحصول على أدوية الأعصاب، لكنه أنكر ما يدّعيه التجار، وقال إنه لا يفرض خوات مالية على أصحاب المحالّ التجارية في الحمرا، كذلك أنكر تحطيمه محتويات المكتب، أو التهجم على وسيم، أو تهديده بارتكاب جريمة، وزعم أنه شطّب نفسه بواسطة قداحة حديد أثناء توقيفه في المخفر.
تثبتت محكمة الجنايات في بيروت، المؤلفة من الرئيسة هيلانة اسكندر والمستشارين وليد القاضي وهاني عبد المنعم الحجار، من أن المتهم يُرهب أصحاب المحالّ التجارية، ويُكرههم على إعطائه مبالغ مالية لتجنب الشتم والصراخ، ورأت أن فعله يمثّل الجنحة المنصوص عليها في المادة 649 فقرة 2 عقوبات. كذلك أدانته المحكمة بجنحة تحطيم أملاك الغير (المادة 733 عقوبات) وجنحة التعرض للأخلاق العامة (المادة 532 عقوبات)، غير أنه نظراً لوضع المتهم الصحي والطبي، منحته المحكمة أسباباً مخفّفة بالنسبة إلى جنحة المادة 649. وبإدغام العقوبات، قررت المحكمة الاكتفاء بمدة توقيف المتهم، وتغريمه مئة ألف ليرة لبنانية.


تنذكر وما تنعاد

يعيد بنا مصطلح «فرض خوات» إلى مرحلة أليمة من الماضي، حين كانت معظم الميليشيات التي تزعّمها أمراء حرب تحوّل بعضهم اليوم إلى رؤساء ونواب ووزراء، تفرض على المحالّ والمؤسسات التجارية، وحتى على السكان والمارة، دفع أموال بانتظام بحجة «حماية أبناء المنطقة». فالميليشيات تصرّفت كما تتصرّف عصابات المافيا الإيطالية، ومن جرؤ على رفض تسديد الأموال تعرّض للضرب والإذلال أو للتهجير والقتل.
حاسب القضاء رجلاً أربعينياً مريضاً جمع أموالاً وسجائر من تجار الحمرا مهدداً بـ«تهشيل» زبائنهم. لكن قانون العفو (القانون الرقم 84 الصادر في 26/8/1991) ترك ملايين الدولارات التي جمعتها الميليشيات بجيوب قياداتها السابقة. «تنذكر وما تنعاد» يقول أحد التجار الذين دفعوا من رزقهم للميليشيات مكرَهين.