محمد محسنهل يمكن أن تتحوّل شؤون حياتنا معادلاتٍ علمية؟ يبدو هذا السؤال وإن لم يطرح مباشرةً، محور أولى ورش العمل التي نظمّتها جمعية «نحن» في مركزها بمنطقة فرن الشبّاك، يوم السبت الماضي، تحت عنوان «قيادة شبابية: نحو رؤيةٍ علمية»، بتمويل من الوكالة الأميركيّة للتنمية الدوليّة USAID.
اجتمع 38 مشاركاً من مختلف الاختصاصات العلمية، للإجابة عن سؤال الورشة، معتمدين على الرياضيّات النظرية والتطبيقية. عند التاسعة صباحاً، تعارف المشاركون، ولم يحُل فارق الأعمار بينهم، دون الخوض في نقاشات معمّقة، وخصوصاً أن بينهم أساتذة رياضيات وطلاباً، جاؤوا من مختلف المناطق اللبنانية. غاب النمط التلقيني الذي يتجرّعه الطلاب في كلياتهم مع كل مادة علمية يتابعونها، ليحلّ مكانه نمط حواري، ابتعد عن المادّة العلمية المتخصصة والجافة.
«التناقض ومسألة البت» هو عنوان المحاضرة الأولى. عرض الدكتور حسين دعيبس مسألة التناقض من بوابة الرياضيات. تطرّقت المحاضرة سريعاً إلى الوضع اللبناني وتناقضاته، إذ فسّره المحاضر من ناحيةٍ علمية. تحدّث دعيبس عن «مفارقة التناقض الظاهري»، وهي بالترجمة اللبنانية، تصنيف اللبنانيين بعضهم لبعض، دون الوقوف عند حقيقةٍ علمية، فأشار إلى أن لا شيء أبيض أو أسود بالكامل، وأنّه يجدر علمياً التأكد من معطياتٍ معيّنة، قبل إصدار أي حكم. بعد الاستراحة، قبل أن يدخلوا في المرحلة الثانية، التي تتناول تطبيق الرياضيّات في كل المجالات الحياتيّة، مع الدكتور أيمن مراد.
لم يُطل مراد شرحه النظري، ودخل فوراً في تطبيق الرياضيات. بموجب هذه التطبيقات، بات بإمكان الإنسان تحويل الشؤون الحياتية كلها إلى معادلاتٍ رياضية، مقسّمة على أساس مقاييس ورموز معيّنة، يمكن معالجتها بصورةٍ دائمة، لتعطي نتائج مستقبلية عن أية حالةٍ يتعامل معها الحاسوب. استشهد مراد بتجربته في مستشفيات لندن، وكيف استطاع العلماء تحليل أمراض كالجلطة وسرطان الرئة، من دون اللجوء إلى التشريح. أضاف مراد إن التجارب التي عرضت، تمثّل أمثلةً عن دخول الرياضيات في الاقتصاد والفيزياء، وصولاً إلى نواحي الحياة كلها. أبدى المشاركون اقتناعهم بالفكرة، رغم أنّها جديدة على بعضهم. بعد نهاية الورشة، توجّه المشاركون إلى متحف «الهولوغراف» في جونية، حيث اللوحات تشبه الحالة اللبنانية، إذ يمكن رؤيتها بصورة صحيحة من زوايا متعدّدة، ليصلوا في نهاية اليوم إلى نتيجة مفادها أن الرياضيات ليست مجرّد نظرياتٍ عابرة، بل هي انعكاس لشؤون الحياة، فلماذا لا تقارب جميع أشكال الحياة العادية من زاوية العلوم؟ سؤال ستتكفّل ورش العمل القادمة عن الاقتصاد وعلم النفس بالإجابة عنه.