شيرين فحصتعبر الأيام ببطء ورتابة في أحياء قريتنا جبشيت في محافظة النبطية. نرى الوجوه نفسها كل يوم، نسمع المواضيع ذاتها: جارة تشكو لجارتها سوء طباع زوجها، وفتاة تروي قصة مغامراتها مع حبيبها. أما الشباب فيعيشون أيامهم بكثير من الروتين والملل؛ فلا أندية ثقافية ولا حتى مقاه تبدد بعض السأم.
تبقى «كزدورة» العصر بصيص نور لبعض الصبايا. إذ يستغلها شاب ليغازل فتاته، وآخر ليسترق بعض اللحظات ويقدّم وردة لحبيبته فتحمر خجلاً. أما الصبايا فيشغلن أنفسهن بأشياء مختلفة. أنا مثلاً، أهوى الرسم والموسيقى، فأسرح بخيالي لعلي أهتدي إلى موضوع للوحتي التالية. أما صديقتي بتول فتتفرغ لمساعدة والدتها في إنجاز الأعمال المنزلية. وتمضي دارين معظم وقتها، إما بتزيين نفسها أمام المرآة أو بتجاذب الحديث مع صديقاتها عبر الهاتف. ملاك تهوى الإنترنت، فتصرف كل ما تدخره طيلة الأسبوع، في يوم واحد. ومن يرَ صبايا الكزدورة يخرجن في وقت واحد، يظن أنه أمام عرض مفتوح للأزياء. ومن الشباب، يمثل عبد اللطيف نموذج الخبير في مغازلة الفتيات، فيصرف مجمل وقته متنقلاً من واحدة إلى أخرى. أما معين فيتفرغ للقراءة، فيما يخصص عباس أكثر الوقت لتتبع أخبار النجوم وتفاصيل حياتهم.
هكذا تعبر الأيام في قريتنا، ويكاد الملل يفترس أوقاتنا ويفترسنا. ولا جديد إلا ما ندر، وقد لا يخلو الأمر من مناسبة طارئة تجمع أهل القرية والجوار، فتعرّفنا إلى وجوه جديدة. وعندما ينصرف الجميع، تعود الحياة إلى رتابتها، كأن شيئاً لم يكن.