دبي ــ رولا الحسين«هل يختارون أزياء عملهم‏‏‏‏‏‏‏ وألوانها؟‏‏‏‏‏‏‏
هل يتحدّثون عن زوجاتهم‏‏‏‏‏‏‏ وصديقاتهم؟‏‏‏‏‏‏
هل ما زالوا يخاطبون‏‏‏‏‏‏‏ صديقتهم الشّمس؟‏‏‏‏‏
كم مرة يشتهون «الآيس كريم‏‏‏‏‏»؟
لا أعرف بالتحديد متى تستيقظ، وأنا لم أستيقظ يوماً لأشرب معها قهوة صباح باكر. الشمس، تعيد إلي ذكريات استيقاظ لطفولة ومدرسة أصبحتا قديمتين جداً اليوم. الشمس التي لا تستهويني رسومات تظهرها فاتنة، والتي أسدل لها ستائري هرباً من ظُهرها اللاذع. الشمس نفسها يوقظونها هم على أصوات خيوط ماء رفيعة يغسلون بها نعاسهم، على أصوات تفسّخ قماش يحشو أسرّتهم التي تئن بدلاً عنهم. تصحو خجلاً من قدرتهم على الاستيقاظ فجراً بعد فجر، بعد آخر. يوقظونها لتهيئ نفسها لساعات قليلة قبل أن تنضم إلى لائحة الأشياء التي تآمرت ضدهم... ضدهم هم فقط.‏‏‏‏‏‏‏
أجلس في غرفتي التي غمرتُ جدرانها بلوني المفضل في سنوات ست عشتها هنا، على سريري الليلكي، الذي لولا الخشب في أرجله، لكان امتداداً للجدران والفساتين وللوحات التي لم أنهها ولا مرة. أجلس في الغرفة التي ناضلت لأجلها، وفي سبيل شرفتها، وأشيح بنظري عن ستائرها التافهة كي لا أرى تعابيرهم وهم يتحدثون ليلاً في غرفة الهاتف العمومي حيث يتجمعون بعد التاسعة ليأتوا بصوت أو خبر يجعلهم قادرين على الاستيقاظ في اليوم التالي.‏‏‏‏‏‏‏
أشيح بنظري كي لا أتساءل مجدداً: تراهم مع من يتحدثون حتى امتلأت أعينهم بالماء؟ هل أسمعته زوجته صرخة طفل ولد في غيابه؟ أم قالت له حبيبته إنها مشتاقة له ولا تريده أن يبقى بعيداً عنها بعد الآن؟‏‏‏‏‏‏‏
أشيح بنظري كلما مررت قرب أكوامهم وهم ينتظرون باصاً يعيدهم أطفالاً من جديد ويجلسون بداخله كطلاب. رجال ينتظرون باصاً لن يأخذهم إلى المدرسة ولن تكون أمهاتهم بانتظارهم ولا حساء ساخناً على موائدهم.‏‏‏‏‏‏‏ ينتظرون باصاً يراقبون من شباكه حياتنا في سياراتنا ويبحثون فيها عن تفاصيل قد تشبه تفاصيل حياتهم التي تركوها في بلادهم البعيدة. ونشيح نحن بنظرنا عن حياتهم التي لا نريد لنا فيها أي تفصيل.‏‏‏‏‏‏‏
أشيح بنظري وأسأل عما يرتدونه أيام العطلة؟ وأي لون يختارون؟ كيف يقضون هذه العطلة وفي أي ساعة يستيقظون؟ هل يذهبون إلى البحر ويتمشون تحت أشعتها؟ لا بد أنهم كرهوا الشمس وكرهوا أنفسهم لكرههم لها. يتمنون لو يحبونها كما يحبها الآخرون، يتمنون لو تحبهم كما أحبت عمالاً آخرين مثل الذين تكلم بلسانهم جاك بريفير حين قال «قولي إذاً يا رفيقتي الشمس، ألا ترين أن من الحماقة أن أهب رب عملي نهاراً كهذا».‏‏‏‏‏‏‏
أشيح بنظري وأسأل إن كنت سأتعرف إليهم خارج زيهم الأحمر، وهل يأخذون قيلولة بعد ظهر يوم عطلتهم أم يخافون أن تأتي شمس الغد مسرعة؟‏‏‏‏‏‏‏
أشيح بنظري وأتساءل: ماذا لو لم يستيقظوا غداً وتركوا الشمس تنام... هل ستستيقظ من دونهم؟